لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

تفسير الآية رقم

37

من سورة

الأنفال

(Madaniyah)

تفسير ابن كثير (Tafsir Ibn Kathir)
( ليميز الله الخبيث من الطيب ) أي : من يطيعه بقتال أعدائه الكافرين ، أو يعصيه بالنكول عن ذلك كما قال تعالى : ( وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم ) الآية [ آل عمران : 166 ، 167 ] ، وقال تعالى : ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) الآية [ آل عمران : 179 ] ، وقال تعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) [ آل عمران : 142 ] ونظيرتها في براءة أيضا .
فمعنى الآية على هذا : إنما ابتليناكم بالكفار يقاتلونكم ، وأقدرناهم على إنفاق الأموال وبذلها في ذلك ؛ ليتميز الخبيث من الطيب ، فيجعل الخبيث بعضه على بعض ، ( فيركمه ) أي : يجمعه كله ، وهو جمع الشيء بعضه على بعض ، كما قال تعالى في السحاب : ( ثم يجعله ركاما ) [ النور : 43 ] أي : متراكما متراكبا ، ( فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون ) أي : هؤلاء هم الخاسرون في الدنيا والآخرة .
تفسير الطبري (Tafsir al-Tabari)
القول في تأويل قوله : لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يحشر الله هؤلاء الذين كفروا بربهم, وينفقون أموالهم للصدّ عن سبيل الله، إلى جهنم, ليفرق بينهم= وهم أهل الخبث، كما قال وسماهم ” الخبيث “ = وبين المؤمنين بالله وبرسوله, وهم ” الطيبون “، كما سماهم جل ثناؤه. فميَّز جل ثناؤه بينهم بأن أسكن أهل الإيمان به وبرسوله جناته, وأنـزل أهل الكفر نارَه. (46)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16067 – حدثني المثنى قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: ” ليميز الله الخبيث من الطيب “ فميَّز أهل السعادة من أهل الشقاوة.
16068 – حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط, عن السدي قال: ثم ذكر المشركين, وما يصنع بهم يوم القيامة, فقال: ” ليميز الله الخبيث من الطيب “، يقول: يميز المؤمن من الكافر، فيجعل الخبيث بعضه على بعض .
* * *
ويعني جل ثناؤه بقوله: ” فيجعل الخبيث بعضه على بعض “، فيحمل الكفار بعضهم فوق بعض = ” فيركمه جميعا “، يقول: فيجعلهم ركامًا, وهو أن يجمع بعضهم إلى بعض حتى يكثروا, كما قال جل ثناؤه في صفة السحاب: ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا [سورة النور: 43]، أي مجتمعًا كثيفًا، وكما:-
16069 – حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: ” فيركمه جميعًا “، قال: فيجمعه جميعًا بعضه على بعض.
* * *
وقوله: ” فيجعله في جهنم “ يقول: فيجعل الخبيث جميعًا في جهنم= فوحَّد الخبر عنهم لتوحيد قوله: ” ليميز الله الخبيث “ , ثم قال: ” أولئك هم الخاسرون “، فجمع، ولم يقل: ” ذلك هو الخاسر “, فردَّه إلى أول الخبر.
ويعني ب ” أولئك “، الذين كفروا, وتأويله: هؤلاء الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ” هم الخاسرون “، ويعني بقوله: ” الخاسرون “ الذين غُبنت صفقتهم، وخسرت تجارتهم. (47) وذلك أنهم شَرَوْا بأموالهم عذابَ الله في الآخرة, وتعجَّلوا بإنفاقهم إياها فيما أنفقوا من قتال نبيّ الله والمؤمنين به، الخزيَ والذلَّ.
——————
الهوامش :
(46) انظر تفسير ” الخبيث “ فيما سلف ص : 165 ، تعليق : 3 ، 4 ، والمراجع هناك .
= وتفسير ” الطيب “ فيما سلف من فهارس اللغة ( طيب ) .
(47) انظر تفسير ” خسر “ فيما سلف 12 : 579 ، تعليق : 2 ،المراجع هناك .
تفسير السعدي (Tafsir al-Sa'di)
واللّه تعالى يريد أن يميز الخبيث من الطيب، ويجعل كل واحدة على حدة، وفي دار تخصه،فيجعل الخبيث بعضه على بعض، من الأعمال والأموال والأشخاص‏.‏ ‏{‏فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ‏}‏ الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين‏.‏
تفسير البغوي (Tafsir al-Baghawi)
( ليميز الله الخبيث ) في سبيل الشيطان ( من الطيب ) يعني : الكافر من المؤمن فينزل المؤمن الجنان والكافر النيران .
وقال الكلبي : العمل الخبيث من العمل الصالح الطيب ، فيثيب على الأعمال الصالحة الجنة ، وعلى الأعمال الخبيثة النار .
وقيل : يعني : الإنفاق الخبيث في سبيل الشيطان من الإنفاق الطيب في سبيل الله .
( ويجعل الخبيث بعضه على بعض ) أي : فوق بعض ، ( فيركمه جميعا ) أي : يجمعه ومنه السحاب المركوم ، وهو المجتمع الكثيف ، فيجعله في جهنم ( أولئك هم الخاسرون ) رده إلى قوله : ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ) . . . ( أولئك هم الخاسرون ) الذين خسرت تجارتهم ، لأنهم اشتروا بأموالهم عذاب الآخرة .
تفسير القرطبي (Tafsir al-Qurtubi)
ومعنى ليميز الله الخبيث من الطيب أي المؤمن من الكافر . وقيل : هو عام في كل شيء من الأعمال والنفقات وغير ذلك .

اشترك في موقعنا الجيل القرآني

أرسل الينا البريد الالكتروني من أجل تلقي آخر محتوانا و التواصل بشكل مباشر و فوري مستهدين بالقرآن الكريم.

خصوصيتك مهمة بالنسبة لنا
تواصل معنا على :
شارك المحتوى :