اشترك في موقعنا الجيل القرآني

أرسل الينا البريد الالكتروني من أجل تلقي آخر محتوانا و التواصل بشكل مباشر و فوري مستهدين بالقرآن الكريم.

خصوصيتك مهمة بالنسبة لنا

عندما تُمنع الشعائر: ماذا لو غاب عيد الأضحى؟ القرآن يردّ

منظر رمزي لعيد الأضحى مع هلال ومسجد عند غروب الشمس على الشاطئ

تخيل عالمًا يُمنع فيه المسلمون من الاحتفال بعيد الأضحى: تُحظر الذبائح، تُغلق المساجد، ويُحرم الناس من صلاة العيد. مشهد كهذا ليس من نسج الخيال فقط، بل هو واقع مرّ عاشته بعض المجتمعات الإسلامية في مراحل معينة من التاريخ، ويطرح في طياته أسئلة دينية وفكرية دقيقة: ماذا لو تعطلت إحدى أبرز شعائر الإسلام؟ هل يظل الدين قائمًا إن غابت مظاهره؟ وماذا يقول القرآن عن هذا الحرمان؟

المسألة هنا لا تقف عند حدود الشكل الظاهري للشعيرة، بل تمتد إلى عمق الصلة بين العبد وربه. فبين من يرى أن إقامة الشعائر ركن لا يُمس في الدين، وأن غيابها يعد خرقًا صريحًا، ومن يرى أن جوهر الشعيرة — من تقوى ونيّة وتضحية — يمكن أن يبقى حتى مع تعذر الممارسة، تنشأ معضلة حقيقية. فأين الحقيقة؟ وكيف نوفّق بين هذين المنظورين؟

في هذا المقال، نبدأ باستعراض الآراء التي تؤكد حرمة تعطيل الشعائر ووجوب إقامتها، ثم ننتقل إلى الرؤية التي تعطي الأولوية للروح والمعنى على الشكل، لنصل في الختام إلى قراءة متوازنة تستند إلى نصوص القرآن والسنة.

حتمية الشعائر وحرمة تعطيلها

الشعائر لا تنفصل عن الدين، بل تُعد من لبناته الأساسية. يرى فقهاء الإسلام وعلماؤه أن الشعائر — كعيد الأضحى — ليست مجرد طقوس ظاهرية، بل هي أوامر شرعية لها مكانتها ومغزاها. فالقرآن الكريم يأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ويقول: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (الحج: 34). في هذا السياق، لا يُفصل الذبح عن ذكر الله، ما يعني أن تعطيل هذه الشعيرة يُفقد الأمة وسيلة من وسائل التعبد والتقرب.

وقد سجّل التاريخ الإسلامي شواهد تؤكد أن الشعائر ليست مجرد ممارسات، بل رموز لهوية الأمة وعمقها الديني. حين اجتاح التتار — تلك القبائل القادمة من قلب آسيا — الأراضي الإسلامية، سعوا لإخماد صوت الأذان ومنعوا صلاة الجمعة، في محاولة لطمس الدين من الوجدان الجمعي. ولهذا رأى علماء كابن تيمية أن مقاومة هؤلاء واجبة، لأن المساس بالشعائر هو مساس بجوهر الدين. غياب العيد لم يكن حينها مجرد غياب فرح، بل انتهاك لكرامة الأمة.

وفي المقابل، ثمة من يخشى أن الانشغال بالروحانيات وحدها على حساب الشعائر قد يُفرغ الدين من مضمونه الحقيقي. فالصلاة، مثلًا، تنهى عن الفحشاء والمنكر، وكذلك الذبيحة تذكّر بمعاني التضحية والبذل. وإذا ما جرى إلغاء هذه المظاهر، فإن باب التأويلات التي تُضعف أركان الإسلام قد يُفتح على مصراعيه.

 

الجوهر فوق المظهر

 

القرآن الكريم يُعلي من شأن القيم والمعاني الباطنية على المظاهر الشكلية في كثير من المواطن. ففي قصة ابني آدم، يقول الله تعالى: {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ}، ويكشف السبب لاحقًا على لسان القاتل نفسه: {قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة: 27). هذه الآية ترسّخ مبدأ أن القبول عند الله لا يُقاس بكثرة الأفعال أو بهرجتها، بل بنقاء القلب وصفاء النية وخشية الله.

فكم من عمل بسيط في نظر الناس، يرتقي عند الله لأعلى المقامات بسبب تقوى فاعله، وكم من عمل ضخم في أعين البشر، لا يساوي شيئًا عند الله إن خلا من الإخلاص والتقوى. ولهذا، يغرس الإسلام في النفس أن ميزان القبول هو التقوى، لا المظهر. حتى في أساسيات الدين، نرى كيف يراعي الله حال عباده، فيرخص لهم الفطر في رمضان إن عجزوا، ويعفيهم من صلاة الجمعة والجماعة عند المرض أو الخوف، استنادًا لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: 185).

فالدين في جوهره قائم على التيسير والرحمة، لا على المشقة والتعسير، وهو يبدأ من القلب قبل أن يظهر على الجوارح. وما جرى بين ابني آدم من خلاف انتهى بجريمة، إنما هو تنبيه عميق لما قد تفعله الغيرة والحسد والكبر بصاحبها، إذ لم تكن المشكلة في القربان نفسه، بل في القلب الذي افتقد التقوى. والمغزى هنا أن الله ينظر إلى القلوب لا إلى الظواهر، وأن النجاة لا تُنال بالمظاهر وحدها، بل بصفاء السريرة، وأن مفتاح القبول الأول عند الله هو التقوى.

 

نماذج من التاريخ لتعطيل الشعائر دون أن ينطفئ الإيمان

في فترات حرجة من التاريخ الإسلامي، كحال المسلمين في مكة أثناء الحصار، واجهوا منعًا صارمًا من الصلاة عند الكعبة، بل وحتى من مغادرة المدينة. ومع ذلك، لم ينكسر إيمانهم، بل ظل راسخًا في قلوبهم رغم القيد والمنع.
وفي الحاضر، تتكرر المأساة في بعض المجتمعات الإسلامية التي ترزح تحت أنظمة قمعية تحظر عليهم ممارسة شعائرهم علنًا. ومع ذلك، لم يتزحزح إيمانهم، لأنه ببساطة لا يُختصر في الطقوس وحدها.

 

الخطر الأكبر: حين يُختزل الدين في الطقوس فقط

يرى بعض الصوفية والمفكرين المسلمين أن التمسك بالظاهر من العبادات دون إدراك روحها قد يفرغ الدين من محتواه، ويجعله مجرد تكرار لا حياة فيه. فلبّ الدين، كما يرون، هو التقوى والنية الصادقة، لا مجرد أداء الحركات والأقوال.

الحلاج

الحسين بن منصور الحلاج، أحد أشهر المتصوفة في القرن الثالث الهجري، عُرف بأقواله العميقة التي تمس جوهر التوحيد، وقد قُتل بسبب مواقفه الفكرية. من أبرز عباراته: “أنت الحق، والحق هو أنت.” كأنما أراد أن يشير إلى أن الله ليس خارجًا عن الذات فحسب، بل يسكن فيها، وأن العلاقة معه تنبع من أعماق النية الصادقة لا من المظاهر فقط.

ابن عطاء الله السكندري

هو فقيه ومتصوف مصري عاش في القرن السابع الهجري، وأحد أبرز أعلام الطريقة الشاذلية. من أشهر مؤلفاته “الحكم العطائية”، التي تفيض بالحكمة الروحية. لخّص جوهر العبادة بقوله: “ما عبدتُ الله بعملٍ إلا وقد عبدته بحالٍ.” أي أن العبادة ليست محصورة في الأفعال الخارجية، بل في صدق الحال الداخلي، في خشوع القلب وإخلاصه، حتى إن تعذر أداء بعض الشعائر.

الإمام الغزالي

أبو حامد الغزالي، أحد أعظم علماء الإسلام، عاش في القرن الخامس الهجري، ولقّب بـ”حجة الإسلام”. جمع بين الفقه والتصوف والفلسفة، وكان له تأثير بالغ في الفكر الإسلامي. في “إحياء علوم الدين”، يؤكد أن “النية أساس العمل”، ويضرب مثلاً بأن السعي للرزق يمكن أن يصبح عبادة إذا انطلقت فيه النية لإرضاء الله. فالدين لا يُقاس فقط بالمظاهر، بل بمقصد القلب ومحتواه.

 

كيف يجيب القرآن؟

القرآن الكريم لا يُفرّق بين الجوهر والمظهر، بل يجمع بينهما برباط وثيق لا ينفصم. ففي سورة الحج، يوضح الله تعالى بقوله: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ} (الحج: 37). فالمقصود هنا أن الذبح لا يُلغى كعبادة، لكنه لا يُقبل عند الله إلا إذا كان مقرونًا بالتقوى، أي النية الصادقة والخشوع الداخلي.

 

Close-up of hand holding paper

 

الإسلام لا يُفرّط في الشعائر بحجة التركيز على الجوهر، لكنه أيضًا لا يجعل منها غاية بحد ذاتها. يمكن للمسلمين إحياء عيد الأضحى بطرق بديلة عن ذبح الأضاحي، خصوصًا مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع التكاليف. فالمعنى الأعمق يكمن في ترسيخ معاني التضحية، وحمد الله، وذكره. وهذا لا يُفهم منه التخلّي عن الشعائر، بل هو دعوة للتفكير في سُبل تحفظ كرامة الناس وتمكّنهم من الاحتفال بما يُناسب ظروفهم، كما فعل النبي ﷺ حين دافع عن شعائر المسلمين في صلح الحديبية، مؤكدًا على أهمية صون الحقوق الدينية.

بهذا الشكل، تُفتح آفاق للاحتفال بعيد الأضحى بوسائل تتماشى مع واقع الناس، دون أن تُمسّ القيم الأصيلة.

 

العيد ما هو مجرد أضحية نذبحها، هو رمز لهويتنا وروح انتمائنا

ويبقى السؤال: هل يكفي الإيمان إذا غابت الطقوس؟
الآراء كثيرة، لكن القرآن يضع الأمور في توازن دقيق: الشعائر مهمة، لكنها مش الهدف النهائي. وإن فُرض غياب العيد، فالإيمان لا يغيب. لكن قبول الظلم؟ هذا مرفوض.

Naive muslim religion stickers collection

 

في النهاية، عيد الأضحى ليس مجرد لحوم تُوزَّع أو دماء تُسكب، بل هو شاهد حي على استمرارية هذه الأمة وتمسّكها بجذور دينها. فالقرآن لا يفتأ يذكّرنا بأن القيم تبقى حيّة، حتى لو غابت مظاهرها. ومع ذلك، يظل على الأمة أن تنتصر لحقها في ممارسة العبادة، ففي ذلك حفظٌ لما تبقّى من روح الدين وجوهره.

Facebook
WhatsApp
Twitter

شارك المقالة 

مواضيع ذات صلة بـ :

عندما تُمنع الشعائر: ماذا لو غاب عيد الأضحى؟ القرآن يردّ

احصل على بريدنا الإلكتروني الأسبوعي حول القرآن

لمساعدتك في العناية الجيدة بايمانك، سنرسل لك إرشادات حول كيفية التعامل مع القرآن، السنة، الأديان، وأكثر من ذلك.

خصوصيتك مهمة بالنسبة لنا