اشترك في موقعنا الجيل القرآني

أرسل الينا البريد الالكتروني من أجل تلقي آخر محتوانا و التواصل بشكل مباشر و فوري مستهدين بالقرآن الكريم.

خصوصيتك مهمة بالنسبة لنا

من هو أول من نسخ القرآن الكريم ؟

نسخ القرآن الكريم، أول من كتب القرآن، زيد بن ثابت، جمع القرآن، تاريخ القرآن.

تساءلت يومًا: من هو أول من خطّ آيات القرآن الكريم بيده؟

تصوّر هذا المشهد المهيب: نور الوحي لا يزال يتلألأ، والصحابة يحيطون بالنبي ﷺ بقلوب تخفق بالإيمان وآذان تترقب كل آية تنزل من السماء. ولكن، كيف انتقلت هذه الكلمات المقدسة من أفواه الصادقين إلى أوراق خُلدت عبر الزمن؟ من هو ذاك الصحابي الذي حظي بشرف نادر، واختير لمهمة ثقيلة: أن يكون أول من كتب القرآن الكريم، وأن يُسطر اسمه في ذاكرة هذا الكتاب العظيم؟

كانت لحظة نسخ القرآن لأول مرة نقطة تحول كبرى في مسيرة حفظه، إذ انتقل من التلقين الشفهي إلى التدوين المكتوب. ومعنى “نسخ القرآن” هنا ليس النسخ بمعناه المعروف من إزالة أو تعديل، بل هو كتابته كما أنزل، حرفًا بحرف، من صدور الحفّاظ ومن القطع التي كانت تُسجل فيها الآيات في حياة النبي ﷺ. إنها عملية دقيقة تهدف إلى تثبيت الوحي كما هو، دون زيادة أو تحريف.

فحفظ القرآن لم يكن معجزة لحظة وانتهت، بل معجزة متواصلة، انغرست في الصدور كما سُطّرت في السطور، وامتدت مع تعاقب الأجيال. وفي صميم هذه القصة يقف زيد بن ثابت، الشاب المدني الذي نال ثقة رسول الله ﷺ، ليشهد واحدة من أعظم اللحظات في تاريخ الإسلام: جمع القرآن وكتابته. ولكن، لماذا اختير هو دون غيره؟ وما الظروف التي دفعت المسلمين إلى تدوين المصحف؟ وماذا تقول الروايات التاريخية عن أول من كتب كلام الله؟

في هذا المقال، نصحبكم في رحلة غنية بالمعاني، نستعرض فيها سياق نسخ القرآن الكريم، ونقف عند سيرة زيد بن ثابت، ونتأمل ما دونه المؤرخون في بواكير صفحات التاريخ الإسلامي.

الخلفية التاريخية لتدوين القرآن الكريم

كان حفظ القرآن الكريم في زمن النبي ﷺ قائمًا في الأساس على التلقين الشفهي، إذ كان الصحابة رضي الله عنهم يرددون الآيات التي يسمعونها مباشرة من فم النبي ﷺ، ويتعلمونها ويحفظونها ثم ينقلونها لغيرهم. ومن الملاحظ أن العرب آنذاك كانوا يتمتعون بذاكرة قوية وثقافة تعتمد على المشافهة، فقد اشتهروا بحفظهم للشعر والخطب والأخبار، وهو ما سهّل عليهم حفظ آيات القرآن بدقة في صدورهم. وكان النبي ﷺ يحثهم على الحفظ ويشجّعهم عليه، وكان يراجع ما أُنزل عليه مع جبريل عليه السلام كل رمضان، وفي آخر رمضان من حياته ﷺ راجعه معه مرتين.

إلى جانب هذا، كان للنبي ﷺ عدد من الصحابة الذين خصّهم بكتابة الوحي فور نزوله، وكان يُملي عليهم الآيات ويبيّن مواضعها في السور. من أبرز هؤلاء الكُتّاب: زيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وغيرهم. وقد أسهم ذلك في حفظ النص القرآني بشكل منظم، رغم أن وسائل الكتابة كانت مختلفة ومتفرقة.

وكان بعض الصحابة يجتهدون في تدوين ما يتيسر لهم من الآيات على ما توفر لديهم من مواد بسيطة، مثل الرقاع (قطع الجلد) والعظام (مثل لوح الكتف أو الضلع)، وسعف النخل والحجارة اللينة. كانت هذه محاولات فردية غير موحدة، تهدف في المقام الأول إلى الحفظ الشخصي والمراجعة، لا إلى إنشاء مصحف كامل.

ورغم هذه الجهود الكريمة، لم تكن هناك نسخة موحدة تجمع القرآن في مصحف واحد خلال حياة النبي ﷺ، بل كان محفوظًا في الصدور وموزعًا في صحف متفرقة. ولم يتم جمعه في مصحف جامع إلا بعد وفاته ﷺ، حين خشي الصحابة من ضياعه بوفاة الحفاظ، فكان الجمع الأول في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم تم توحيد النسخ ونسخ المصاحف الرسمية في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو ما شكّل بداية التدوين الرسمي للقرآن الكريم كما نعرفه اليوم.

من هو أول من نسخ القرآن الكريم؟

بعد وفاة النبي محمد ﷺ، اندلعت معركة اليمامة في قلب منطقة اليمامة وسط شبه الجزيرة العربية وتحديدًا في العام الحادي عشر للهجرة (632م)، واستُشهد فيها عدد كبير من حفاظ القرآن الكريم، أدرك الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه خطورة الموقف، فاقترح على الصحابي الجليل زيد بن ثابت أن يُجمَع القرآن في مصحف واحد، خشية أن يُفقد شيء منه بوفاة القرّاء. وبهذا أصبح زيد أول من أوكلت إليه مهمة نسخ القرآن الكريم كاملاً بأمر من الخليفة، في خطوة تاريخية تُعد من أعظم ما أنجزه المسلمون في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخهم.

كان زيد بن ثابت رضي الله عنه من كتّاب الوحي، ممن كتبوا آيات القرآن فور نزولها على النبي محمد ﷺ. وقد اشتهر بين الصحابة بدقته وأمانته، ونال ثقة رسول الله ﷺ وخلفائه من بعده، لما تميز به من ضبط وتثبت، وهما من الصفات الضرورية لمن يُكلف بمهمة كهذه.

امتاز زيد بمهارات رفيعة في اللغة والكتابة، وكان من أفصح الصحابة وأوضحهم خطًا. وقد أظهر التزامًا كبيرًا في أداء مهمته، فلم يكن يكتب آية إلا بعد التأكد من وجودها لدى اثنين من الصحابة، توثيقًا وتثبيتًا، مما يعكس حرصه الشديد على سلامة النص القرآني من الخطأ أو النقص. هذا النهج الصارم في التوثيق جعل من النسخة التي جمعها زيد أساسًا لما عُرف لاحقًا بـ”مصحف أبي بكر”، والذي نُسخت منه لاحقًا مصاحف أخرى في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

المصادر التاريخية التي تؤكد الرواية

أكّدت عدة مصادر تاريخية موثوقة رواية جمع القرآن الكريم بعد معركة اليمامة، ومن أبرز هذه المصادر ما ورد في “صحيح البخاري” في كتاب فضائل القرآن، حيث ذُكرت قصة اقتراح الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بجمع القرآن، وتكليفه زيد بن ثابت بهذه المهمة. كما أورد الإمام الذهبي الرواية في كتابه “سير أعلام النبلاء”، مستعرضًا دور زيد بن ثابت وثقة الخلفاء به في تنفيذ هذا المشروع الجليل. وذكر ابن سعد أيضًا في “الطبقات الكبرى” تفاصيل هذه المرحلة، مبينًا ظروفها وأهم الشخصيات التي شاركت فيها.

لعب الخلفاء الراشدون دورًا محوريًا في الحفاظ على نص القرآن الكريم من الضياع أو التحريف. فبعد وفاة النبي محمد ﷺ ووقوع معركة اليمامة، تنبّه الخليفة أبو بكر الصديق إلى خطورة فقدان القراء، فأمر بجمع القرآن في مصحف واحد. ثم جاء الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأمر بنسخ عدة مصاحف موحدة وإرسالها إلى الأمصار، حرصًا على وحدة النص القرآني بين المسلمين. هذا التدرج في الجهد من عهد أبي بكر إلى عهد عثمان مثّل ضمانة قوية لصون القرآن الكريم كما نزل دون زيادة أو نقصان.

أهمية الحفاظ على القرآن عبر العصور

اهتم المسلمون منذ بداية الدعوة الإسلامية بحفظ القرآن الكريم من التحريف أو الضياع، فكان الحفظ الشفهي أول وسائل التوثيق، ثم جاءت مرحلة الجمع والكتابة لتكمل هذا الجهد. وقد كانت هذه العناية نابعة من إدراكهم لعِظم هذا الكتاب وكونه كلام الله المنزل، الذي لا يجوز التساهل في حفظه أو تداوله.

بعد وفاة النبي محمد ﷺ، وتحديدًا في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بدأت أول عملية رسمية لجمع القرآن في مصحف واحد، خوفًا من ضياعه بموت الحُفّاظ. ثم جاء عهد الخليفة عثمان بن عفّان رضي الله عنه، فشهد مرحلة حاسمة في تاريخ المصحف، حيث أمر بتوحيد القراءات والمصاحف في مصحف واحد يُعرف اليوم بـ”مصحف عثمان”، تجنبًا لاختلاف الأمة في تلاوة القرآن.

تطورت الخطوط العربية المستخدمة في نسخ المصحف مع مرور الزمن، وكان الخط الكوفي من أقدم الخطوط التي كُتبت بها المصاحف في العصور الأولى. ومع تقدم الزمن، ظهر الخط النسخي الذي امتاز بوضوحه وسهولة قراءته، فصار هو الغالب في طباعة المصاحف في العصور اللاحقة، مما يعكس العناية الفائقة بجمال ودقة كتابة كلام الله.

لم تقتصر عناية الأمة الإسلامية بالقرآن الكريم على حفظه كتابةً، بل ظل الحفظ عن ظهر قلب سُنة متبعة حتى يومنا هذا، تُنقل من جيل إلى جيل. وقد ظهرت المدارس القرآنية مثل الأزه الشريف بمصر و الحلقات في المساجد لتعليم التلاوة والتجويد، وتوفير بيئة تحفظ القرآن وتربي الأجيال على احترامه والعمل به.

 

في هذا المقال، تناولنا المحطات الرئيسية التي رافقت عملية نسخ القرآن الكريم وتدوينه، والظروف التاريخية التي ساهمت في حفظه بدقة متناهية. لقد كان الصحابة الكرام — برعاية إلهية — حريصين كل الحرص على توثيق كل حرف وكل آية، مما جعل القرآن يصل إلينا سليمًا عبر القرون، محافظًا على نصّه كما أُنزل.

إن هذا التراث المقدس يذكرنا بأهمية القرآن في حياتنا، وكيف أنه ظلّ نورًا يهدينا في مختلف العصور. فمنذ أن بدأ الصحابة تدوينه بإخلاص، وحتى يومنا هذا، بقي القرآن مصدر هداية وتشريع.

فالسؤال الذي يطرح نفسه: هل نقدّر حقّ قدره هذه النعمة العظيمة؟ هل نتفاعل مع القرآن كما يستحق، ونستلهم منه الحكمة والرشاد في حياتنا؟

Facebook
WhatsApp
Twitter

شارك المقالة 

مواضيع ذات صلة بـ :

من هو أول من نسخ القرآن الكريم ؟

احصل على بريدنا الإلكتروني الأسبوعي حول القرآن

لمساعدتك في العناية الجيدة بايمانك، سنرسل لك إرشادات حول كيفية التعامل مع القرآن، السنة، الأديان، وأكثر من ذلك.

خصوصيتك مهمة بالنسبة لنا