اشترك في موقعنا الجيل القرآني

أرسل الينا البريد الالكتروني من أجل تلقي آخر محتوانا و التواصل بشكل مباشر و فوري مستهدين بالقرآن الكريم.

خصوصيتك مهمة بالنسبة لنا

3 دروس من القرآن لمواجهة إلغاء عيد الأضحى في زمن الأزمات

يد تمسك بمصحف صغير مع مفتاح قديم، رمز للهداية القرآنية في مواجهة التحديات

في عالم تتفاقم فيه الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، تبرز تحديات جديدة تهدد بعض الممارسات الدينية والعادات المتجذرة، من بينها احتمال إلغاء أو تقييد الاحتفال بعيد الأضحى في ظل ظروف استثنائية. وليس الحديث هنا عن إجراء إداري عابر، بل عن مسألة وجودية أعمق تمس صميم العلاقة بين الإنسان ودينه، لا سيما في أوقات الشدة والانكسار. فكيف للمسلم أن يتفاعل مع قرارات كهذه؟ وهل في القرآن ما يمكن أن ينير له الطريق وسط هذه العواصف؟

القرآن الكريم لا يُختزل في كونه كتابًا للشعائر والعبادات، بل هو خارطة طريق للحياة بكل ما تحمله من تقلبات وتحديات. ومن خلال تأمل آياته، نجد أنه يقدم لنا ثلاث قيم جوهرية قادرة على إرشادنا في التعامل مع فكرة إلغاء أو تقليص شعائر العيد: الصبر والثبات، إعادة فهم معنى العبادة، وأهمية التضامن المجتمعي. هذه ليست مفاهيم نظرية معلقة في الهواء، بل تجارب حية عاشها الأنبياء والمؤمنون، وشكلت أساس صمودهم أمام الأزمات.

في هذا المقال، سنبدأ باستعراض بعض الظروف التي قد تُستخدم كمبرر لإلغاء العيد، ثم ننتقل لتقديم تصور قرآني مضاد يعكس ثبات القيم رغم تغير الأحوال، على أن نختم بمحاولة تركيبية توفق بين ضرورات الواقع ومتطلبات العقيدة.

 

الحفاظ على الحياة أولوية

يُناقش هذا الموضوع من زاويتين: طبية وشرعية، في وقت أصبح فيه الحذر من التجمعات، خاصة في المناسبات الدينية والاجتماعية كالأعياد، شعورًا متناميًا لدى كثير من الناس. فبعد ما مرّ به العالم من تجارب قاسية مع الأوبئة، وعلى رأسها جائحة كورونا، لم تعد المصافحة أو التقبيل على الخد مجرّد عادات مألوفة، بل باتت تُنظر إليها كتصرفات قد تحمل في طيّاتها خطرًا غير ظاهر. إذ يمكن أن يكون من نُسلم عليه حاملًا لفيروس لم تظهر عليه أعراضه بعد، وربما نكون نحن أنفسنا كذلك دون أن ندري.

هذا الخوف ليس وليد خيال أو مبالغة، بل ينبع من واقعٍ أثبت قسوته، حيث أزهقت العدوى أرواح الآلاف، وكان لعدم الاكتراث بالتباعد والاتصال المباشر دورٌ كبير في ذلك. ومن هذا المنطلق، تبرز قاعدة “لا ضرر ولا ضرار” في الشريعة الإسلامية كمرتكز يُعزّز هذا التوجه الوقائي، حيث تُقدَّم سلامة النفس على العادات، وحتى بعض العبادات، إذا تعارضت معها.

لقد شهدنا بأعيننا كيف أُغلقت المساجد، وتوقفت صلوات الجمعة والجماعة في عدة بلدان إسلامية خلال ذروة الأزمة، وهو أمر كان يُعتبر غير وارد في السابق. وهذا يكشف عن مرونة الشريعة ووعيها بأهمية المصلحة العامة. وبالتالي، إن دعت الحاجة – لا قدّر الله – مستقبلاً لمنع التجمعات في الأعياد أو تغيير طقوس السلام والتهنئة، فذلك يُعد من باب الحذر المطلوب والاهتمام بحماية الأرواح.

فمن يدري؟ قد يكون الوباء القادم أشدّ فتكًا من سابقه، مما يجعل نشر الوعي بخطورة بعض العادات الاجتماعية أولوية لا يمكن تجاهلها حتى لا نُفاجأ بثمنها لاحقًا.

 

تقليل الأعباء المادية

في خضم الأزمات الاقتصادية المتلاحقة وارتفاع الأسعار الذي بات يمس أبسط متطلبات الحياة، أصبحت الأضحية عبئًا ثقيلًا على كاهل كثير من الأسر، لا سيما ذوي الدخل المحدود. فقد ارتفعت تكاليفها إلى حد لم يعد في متناول الجميع، فتبدلت بهجة العيد عند البعض إلى شعور بالحسرة والعجز.

وفي مثل هذه الظروف، تتجلى رحمة الشريعة الإسلامية التي جاءت لتخفف لا لتثقل، ولتحتوي الناس في محنهم بدل أن تُثقلهم بالتكاليف. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]،
ويقول أيضًا:
﴿مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

وجاء في الحديث الشريف عن رسول الله ﷺ:
«إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه» [رواه أحمد].

وانطلاقًا من هذا الفهم الرحب، أفتى بعض العلماء المعاصرين بجواز ترك الأضحية عند اشتداد الغلاء وتعذر القدرة، خاصة وأنها سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء، وليست فريضة. بل إن من الصحابة من تركها أحيانًا رغم استطاعتهم، مراعاة لحال الناس.

ويُروى عن الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أنه كان لا يُضحي إذا غلت الأسعار، خشية أن يرهق الناس فيقلدوه، وهو موقف يدل على عمق فقهه وتقديره لواقع الناس.

ولا ننسى أن ديننا دين رحمة، والله عز وجل لا يُكلف نفسًا إلا وسعها، كما في قوله تعالى:
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].

ومن لم يستطع الأضحية، فليطمئن قلبه، فللنية الخالصة أجرها، وقد قال النبي ﷺ:
«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» [رواه البخاري ومسلم].

 

الرؤية القرآنية

النية أهم من الشكل:

يقول الله تعالى: “لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ” (الحج: 37)، مشيرًا إلى أن الغرض الحقيقي من الأضحية ليس في اللحم أو الدم، بل في التقوى التي يحملها القلب. الله ينظر إلى ما وراء الأفعال، إلى الصدق والإخلاص.

وقد فسر ابن كثير الآية بأن المقصود ليس مجرد الذبح أو توزيع اللحم، بل ما في القلوب من تقوى، مستشهدًا بقول النبي ﷺ: “إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”.

فمن لم يتمكن من الذبح لأسباب خارجة عن إرادته – كضيق الحال، أو ارتفاع الأسعار، أو غياب الأضاحي، أو الإقامة في بلد يمنع الذبح – فلا حرج عليه، كما أوضحت دار الإفتاء المصرية. ويمكنه التعويض بالتصدق، أو بإدخال السرور على فقير أو يتيم، بنية القرب من الله.

فروح العيد لا تُختزل في الذبح فقط، بل في التقوى، وصلة الأرحام، وإسعاد المحتاجين. تلك هي المعاني العميقة التي يحملها العيد في الإسلام.

 

كيف نوفق بين الضرورة والعبادة؟

الأزمات لا تمحو الدين من حياتنا، بل تجعلنا نعيد تأمل معانيه، ونقرأه من جديد على ضوء ما نعيشه من واقع.

ومع الظروف الاقتصادية القاسية التي يعاني منها كثيرون، خاصةً مع القفزات الجنونية في أسعار الأضاحي، تبرز الحاجة لإعادة النظر في كيفية ممارستنا للشعائر، بطريقة تراعي الظروف دون أن تمس بجوهرها.

احترام خيار عدم الذبح هذا العام لا يعني التخلي عن عيد الأضحى، بل هو تصرّف عقلاني، ينبع من إحساس إنساني بواقع صعب لا يمكن تجاهله.

✔ البدائل الشرعية موجودة:
عندما تصبح الأضحية متعذّرة لأسباب خارجة عن الإرادة، يمكن تحويل نية الذبح إلى أبواب خير أخرى، مثل تقديم المساعدة النقدية للمحتاجين، أو المشاركة في مبادرات تضامنية. فجوهر الشعيرة في النية الخالصة والمقصد الإنساني، والفقه يفسح المجال للبدائل عندما يتعذر التطبيق الحرفي.

✔ التوعية الدينية ضرورية:
من المهم توضيح أن الامتناع عن الذبح في بعض البيوت لا يعني التراخي في الدين، بل هو نوع من الفهم المرن الذي يحترم مقاصد الشريعة ويقدّر المصلحة العامة. لا بد من إيصال هذه الفكرة للناس، حتى لا يُساء فهمها وكأنها ضعف في الإيمان أو تنصّل من شعائر العيد.

✔ العيد لا يقتصر على الذبح:
الفرح، صلة الأرحام، المساندة، وتبادل التهاني… كلّها من جوهر العيد، ويمكننا التمسك بها، بل وتعزيزها في مثل هذه الأوقات الصعبة. فربّ تصرف إنساني بسيط قد يعوّض عن مئات الكيلوغرامات من اللحم.

 

إلغاء الأضحية في وقت الأزمات لا يعني أن العيد قد فقد معناه، بل يدفعنا للتأمل في سؤال أعمق: كيف يمكننا إحياء جوهر القيم الدينية حين تشتد الظروف وتضيق السبل؟

المؤيدون لهذا التوجه ينطلقون من منطلقات واقعية واقتصادية، بينما تُعيدنا النظرة القرآنية إلى أصل المسألة: فالمحن ليست وقتًا للابتعاد عن الدين، بل لحظة نادرة لاكتشافه من جديد، بعيون أكثر وعيًا ونفوس أكثر اتصالًا بالقيم.

ثلاث إشارات قرآنية تضيء لنا هذا الطريق: أولها الصبر في وجه البلاء، وثانيها أن العبادة ليست شكلًا ثابتًا بل فهمًا متجددًا يراعي الحال، وثالثها تعزيز روح التكافل مع من ضاقت بهم الحياة أكثر مما ضاقت بنا.

نحن لا نتجاهل الواقع، بل نواجهه بقلب مؤمن، نُدرك أن الطقوس ليست غاية، بل وسيلة نحو معنى أعمق وروح أصفى.

وفي الختام، يبقى العيد ليس مجرد ذبيحة تُقدَّم، بل رسالة تفيض بالأمل، ومناسبة تُجسّد معاني الرحمة والتآزر. وإن كانت الأزمات قاسية، فإنها تحمل في طيّاتها فرصة حقيقية لبعث هذه القيم في أجمل صورها.

Facebook
WhatsApp
Twitter

شارك المقالة 

مواضيع ذات صلة بـ :

3 دروس من القرآن لمواجهة إلغاء عيد الأضحى في زمن الأزمات

احصل على بريدنا الإلكتروني الأسبوعي حول القرآن

لمساعدتك في العناية الجيدة بايمانك، سنرسل لك إرشادات حول كيفية التعامل مع القرآن، السنة، الأديان، وأكثر من ذلك.

خصوصيتك مهمة بالنسبة لنا