
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ
تفسير الآية رقم
164
من سورة
آل عمران
(Madaniyah)
تفسير ابن كثير (Tafsir Ibn Kathir)
وقوله : ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ) أي : من جنسهم ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع به ، كما قال تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ) [ الروم : 21 ] أي : من جنسكم . وقال تعالى : ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ) [ الكهف : 110 ] وقال تعالى : ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ) [ الفرقان : 20 ] وقال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) [ يوسف : 109 ] وقال تعالى : ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) [ الأنعام : 130 ] فهذا أبلغ في الامتنان أن يكون الرسل إليهم منهم ، بحيث يمكنهم مخاطبته ومراجعته في فهم الكلام عنه ، ولهذا قال : ( يتلو عليهم آياته ) يعني : القرآن ) ويزكيهم ) أي : يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لتزكو نفوسهم وتطهر من الدنس والخبث الذي كانوا متلبسين به في حال شركهم وجاهليتهم ( ويعلمهم الكتاب والحكمة ) يعني : القرآن والسنة ( وإن كانوا من قبل ) أي : من قبل هذا الرسول ( لفي ضلال مبين ) أي : لفي غي وجهل ظاهر جلي بين لكل أحد .
تفسير الطبري (Tafsir al-Tabari)
القول في تأويل قوله : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164)
قال أبو جعفر: يعني بذلك: لقد تطوّل الله على المؤمنين =” إذ بعث فيهم رسولا “، حين أرسل فيهم رسولا =” من أنفسهم “، نبيًّا من أهل لسانهم، ولم يجعله من غير أهل لسانهم فلا يفقهوا عنه ما يقول =” يتلو عليهم آياته “، يقول: يقرأ عليهم آي كتابه وتنـزيله (67) =” ويزكيهم “، يعني: يطهّرهم من ذنوبهم باتباعهم إياه وطاعتهم له فيما أمرهم ونهاهم (68) =” ويعلمهم الكتاب والحكمة “، يعني: ويعلمهم كتاب الله الذي أنـزله عليه، ويبين لهم تأويله ومعانيه =” والحكمة “، ويعني بالحكمة، السُّنةَ التي سنها الله جل ثناؤه للمؤمنين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيانَه لهم (69) =” وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين “، يعني: وإن كانوا من قبل أن يمنّ الله عليهم بإرساله رسوله الذي هذه صفته =” لفي ضلال مبين “، يقول: في جهالة جهلاء، وفي حيرة عن الهدى عمياء، لا يعرفون حقًّا، ولا يبطلون باطلا.
* * *
وقد بينا أصل ” الضلالة “ فيما مضى، وأنه الأخذ على غير هدى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (70) .
* * *
= و ” المبين “، الذي يبَين لمن تأمله بعقله وتدبره بفهمه، أنه على غير استقامة ولا هدى (71) .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
8177- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ” لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم “، منّ الله عليهم من غير دعوة ولا رغبة من هذه الأمة، جعله الله رحمة لهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم = قوله: ” ويعلمهم الكتاب والحكمة “، الحكمة، السنة =” وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين “، ليس والله كما تقول أهل حروراء: ” محنة غالبة، من أخطأها أهَريق دمه “، (72) ولكن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم إلى قوم لا يعلمون فعلَّمهم، وإلى قوم لا أدب لهم فأدَّبهم.
8178- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال،” لقد منّ الله على المؤمنين “، إلى قوله: ” لفي ضلال مبين “، أي: لقد منّ الله عليكم، يا أهل الإيمان، إذ بعث فيكم رسولا من أنفسكم يتلو عليكم آياته ويزكيكم فيما أحدثتم وفيما عملتم، (73) ويعلمكم الخير والشر، لتعرفوا الخير فتعملوا به، والشر فتتقوه، ويخبركم برضاه عنكم إذ أطعتموه، لتستكثروا من طاعته، وتجتنبوا ما سخط منكم من معصيته، فتتخلصوا بذلك من نقمته، وتدركوا بذلك ثوابه من جنته =” وإن كنتم من قبل لفي ضلال مبين “، أي: في عمياء من الجاهلية، لا تعرفون حسنة ولا تستغفرون من سيئة، (74) صُمٌّ عن الحق، عُمْيٌ عن الهدى. (75)
——————–
الهوامش :
(67) انظر تفسير“يتلو” فيما سلف 2: 411 ، 569 / 6 : 466 ، تعليق: 3 ، وفهارس اللغة“تلا”.
(68) انظر تفسير“يزكي” فيما سلف 1: 573 ، 574 / 3 : 88 / 5 : 29 / 6 : 528.
(69) انظر تفسير“الحكمة” فيما سلف 3: 87 ، 88 / 5 : 15 ، 371 ، 576 – 579.
(70) انظر تفسير“الضلالة” فيما سلف 1: 195 / 2: 495 ، 496.
(71) انظر تفسير“مبين” فيما سلف 3: 300 / 4 : 258.
(72) أهل حروراء: هم الخوارج ، وهذا مذهبهم.
(73) في المطبوعة: “فيما أخذتم وفيما عملتم” لم يحسن قراءة المخطوطة ، والصواب منها ومن سيرة ابن هشام.
(74) في المطبوعة: “تستغيثون من سيئة” ، ولا معنى لها ، وفي المخطوطة “يستغيثون” غير منقوطة ، والأرجح أنه خطأ ، صوابه ما في سيرة ابن هشام.
(75) الأثر: 8178- سيرة ابن هشام 3: 124 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8172 ، 8176. والجملة الأخيرة في ابن هشام: “صم عن الخير ، بكم عن الحق ، عمى عن الهدى”.
قال أبو جعفر: يعني بذلك: لقد تطوّل الله على المؤمنين =” إذ بعث فيهم رسولا “، حين أرسل فيهم رسولا =” من أنفسهم “، نبيًّا من أهل لسانهم، ولم يجعله من غير أهل لسانهم فلا يفقهوا عنه ما يقول =” يتلو عليهم آياته “، يقول: يقرأ عليهم آي كتابه وتنـزيله (67) =” ويزكيهم “، يعني: يطهّرهم من ذنوبهم باتباعهم إياه وطاعتهم له فيما أمرهم ونهاهم (68) =” ويعلمهم الكتاب والحكمة “، يعني: ويعلمهم كتاب الله الذي أنـزله عليه، ويبين لهم تأويله ومعانيه =” والحكمة “، ويعني بالحكمة، السُّنةَ التي سنها الله جل ثناؤه للمؤمنين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيانَه لهم (69) =” وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين “، يعني: وإن كانوا من قبل أن يمنّ الله عليهم بإرساله رسوله الذي هذه صفته =” لفي ضلال مبين “، يقول: في جهالة جهلاء، وفي حيرة عن الهدى عمياء، لا يعرفون حقًّا، ولا يبطلون باطلا.
* * *
وقد بينا أصل ” الضلالة “ فيما مضى، وأنه الأخذ على غير هدى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (70) .
* * *
= و ” المبين “، الذي يبَين لمن تأمله بعقله وتدبره بفهمه، أنه على غير استقامة ولا هدى (71) .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
8177- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ” لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم “، منّ الله عليهم من غير دعوة ولا رغبة من هذه الأمة، جعله الله رحمة لهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم = قوله: ” ويعلمهم الكتاب والحكمة “، الحكمة، السنة =” وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين “، ليس والله كما تقول أهل حروراء: ” محنة غالبة، من أخطأها أهَريق دمه “، (72) ولكن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم إلى قوم لا يعلمون فعلَّمهم، وإلى قوم لا أدب لهم فأدَّبهم.
8178- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال،” لقد منّ الله على المؤمنين “، إلى قوله: ” لفي ضلال مبين “، أي: لقد منّ الله عليكم، يا أهل الإيمان، إذ بعث فيكم رسولا من أنفسكم يتلو عليكم آياته ويزكيكم فيما أحدثتم وفيما عملتم، (73) ويعلمكم الخير والشر، لتعرفوا الخير فتعملوا به، والشر فتتقوه، ويخبركم برضاه عنكم إذ أطعتموه، لتستكثروا من طاعته، وتجتنبوا ما سخط منكم من معصيته، فتتخلصوا بذلك من نقمته، وتدركوا بذلك ثوابه من جنته =” وإن كنتم من قبل لفي ضلال مبين “، أي: في عمياء من الجاهلية، لا تعرفون حسنة ولا تستغفرون من سيئة، (74) صُمٌّ عن الحق، عُمْيٌ عن الهدى. (75)
——————–
الهوامش :
(67) انظر تفسير“يتلو” فيما سلف 2: 411 ، 569 / 6 : 466 ، تعليق: 3 ، وفهارس اللغة“تلا”.
(68) انظر تفسير“يزكي” فيما سلف 1: 573 ، 574 / 3 : 88 / 5 : 29 / 6 : 528.
(69) انظر تفسير“الحكمة” فيما سلف 3: 87 ، 88 / 5 : 15 ، 371 ، 576 – 579.
(70) انظر تفسير“الضلالة” فيما سلف 1: 195 / 2: 495 ، 496.
(71) انظر تفسير“مبين” فيما سلف 3: 300 / 4 : 258.
(72) أهل حروراء: هم الخوارج ، وهذا مذهبهم.
(73) في المطبوعة: “فيما أخذتم وفيما عملتم” لم يحسن قراءة المخطوطة ، والصواب منها ومن سيرة ابن هشام.
(74) في المطبوعة: “تستغيثون من سيئة” ، ولا معنى لها ، وفي المخطوطة “يستغيثون” غير منقوطة ، والأرجح أنه خطأ ، صوابه ما في سيرة ابن هشام.
(75) الأثر: 8178- سيرة ابن هشام 3: 124 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8172 ، 8176. والجملة الأخيرة في ابن هشام: “صم عن الخير ، بكم عن الحق ، عمى عن الهدى”.
تفسير السعدي (Tafsir al-Sa'di)
هذه المنة التي امتن الله بها على عباده، أكبر النعم، بل أصلها، وهي الامتنان عليهم بهذا الرسول الكريم الذي أنقذهم الله به من الضلالة، وعصمهم به من الهلكة، فقال: { لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم } يعرفون نسبه، وحاله، ولسانه، من قومهم وقبيلتهم، ناصحا لهم، مشفقا عليهم، يتلو عليهم آيات الله، يعلمهم ألفاظها ومعانيها. { ويزكيهم } من الشرك، والمعاصي، والرذائل، وسائر مساوئ الأخلاق. و { يعلمهم الكتاب } إما جنس الكتاب الذي هو القرآن، فيكون قوله: { يتلو عليهم آياته } المراد به الآيات الكونية، أو المراد بالكتاب -هنا- الكتابة، فيكون قد امتن عليهم، بتعليم الكتاب والكتابة، التي بها تدرك العلوم وتحفظ، { والحكمة } هي: السنة، التي هي شقيقة القرآن، أو وضع الأشياء مواضعها، ومعرفة أسرار الشريعة. فجمع لهم بين تعليم الأحكام، وما به تنفذ الأحكام، وما به تدرك فوائدها وثمراتها، ففاقوا بهذه الأمور العظيمة جميع المخلوقين، وكانوا من العلماء الربانيين، { وإن كانوا من قبل } بعثة هذا الرسول { لفي ضلال مبين } لا يعرفون الطريق الموصل إلى ربهم، ولا ما يزكي النفوس ويطهرها، بل ما زين لهم جهلهم فعلوه، ولو ناقض ذلك عقول العالمين.
تفسير البغوي (Tafsir al-Baghawi)
( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ) قيل : أراد به العرب لأنه ليس حي من أحياء العرب إلا وله فيهم نسب إلا بني ثعلبة دليله قوله تعالى : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) وقال الآخرون : أراد به جميع المؤمنين ومعنى قوله تعالى : ( من أنفسهم ) أي : بالإيمان والشفقة لا بالنسب ودليله قوله تعالى : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) ( يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ) وقد كانوا ، ( من قبل ) أي : من قبل بعثه ( لفي ضلال مبين )
تفسير القرطبي (Tafsir al-Qurtubi)
قوله تعالى : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين
بين الله تعالى عظيم منته عليهم ببعثه محمدا – صلى الله عليه وسلم – . والمعنى في المنة فيه أقوال : منها أن يكون معنى ” من أنفسهم “ أي بشر مثلهم . فلما أظهر البراهين وهو بشر مثلهم علم أن ذلك من عند الله . وقيل : من أنفسهم منهم . فشرفوا به – صلى الله عليه وسلم – فكانت تلك المنة . وقيل : من أنفسهم ليعرفوا حاله ولا تخفى عليهم طريقته . وإذا كان محله فيهم هذا كانوا أحق بأن يقاتلوا عنه ولا ينهزموا دونه . وقرئ في الشواذ ” من أنفسهم “ ( بفتح الفاء ) يعني من أشرفهم ; لأنه من بني هاشم ، وبنو هاشم أفضل من قريش ، وقريش أفضل من العرب ، والعرب أفضل من غيرهم . ثم قيل : لفظ المؤمنين عام ومعناه خاص في العرب ; لأنه ليس حي من أحياء العرب إلا وقد ولده – صلى الله عليه وسلم – ولهم فيه نسب ; إلا بني تغلب فإنهم كانوا نصارى فطهره الله من دنس النصرانية . وبيان هذا التأويل قوله تعالى : هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم . وذكر أبو محمد عبد الغني قال : حدثنا أبو أحمد البصري حدثنا أحمد بن علي بن سعيد القاضي أبو بكر المروزي حدثنا يحيى بن معين حدثنا هشام بن يوسف عن عبد الله بن سليمان النوفلي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم قالت : هذه للعرب خاصة . وقال آخرون : أراد به المؤمنين كلهم . ومعنى من أنفسهم أنه واحد منهم وبشر ومثلهم ، وإنما امتاز عنهم بالوحي ; وهو معنى قوله لقد جاءكم رسول من أنفسكم وخص المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون به ، فالمنة عليهم أعظم .
يتلو عليهم ” يتلو “ في موضع نصب نعت لرسول ، ومعناه يقرأ . والتلاوة القراءة . ويعلمهم الكتاب والحكمة تقدم في البقرة . وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين أي ولقد كانوا من قبل ، أي من قبل محمد ، وقيل : ” إن “ بمعنى ” ما “ ، واللام في الخبر بمعنى إلا . أي وما كانوا من قبل إلا في ضلال مبين . ومثله وإن كنتم من قبله لمن الضالين أي وما كنتم من قبله إلا من الضالين . وهذا مذهب الكوفيين . وقد تقدم في ” البقرة “ معنى هذه الآية .
بين الله تعالى عظيم منته عليهم ببعثه محمدا – صلى الله عليه وسلم – . والمعنى في المنة فيه أقوال : منها أن يكون معنى ” من أنفسهم “ أي بشر مثلهم . فلما أظهر البراهين وهو بشر مثلهم علم أن ذلك من عند الله . وقيل : من أنفسهم منهم . فشرفوا به – صلى الله عليه وسلم – فكانت تلك المنة . وقيل : من أنفسهم ليعرفوا حاله ولا تخفى عليهم طريقته . وإذا كان محله فيهم هذا كانوا أحق بأن يقاتلوا عنه ولا ينهزموا دونه . وقرئ في الشواذ ” من أنفسهم “ ( بفتح الفاء ) يعني من أشرفهم ; لأنه من بني هاشم ، وبنو هاشم أفضل من قريش ، وقريش أفضل من العرب ، والعرب أفضل من غيرهم . ثم قيل : لفظ المؤمنين عام ومعناه خاص في العرب ; لأنه ليس حي من أحياء العرب إلا وقد ولده – صلى الله عليه وسلم – ولهم فيه نسب ; إلا بني تغلب فإنهم كانوا نصارى فطهره الله من دنس النصرانية . وبيان هذا التأويل قوله تعالى : هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم . وذكر أبو محمد عبد الغني قال : حدثنا أبو أحمد البصري حدثنا أحمد بن علي بن سعيد القاضي أبو بكر المروزي حدثنا يحيى بن معين حدثنا هشام بن يوسف عن عبد الله بن سليمان النوفلي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم قالت : هذه للعرب خاصة . وقال آخرون : أراد به المؤمنين كلهم . ومعنى من أنفسهم أنه واحد منهم وبشر ومثلهم ، وإنما امتاز عنهم بالوحي ; وهو معنى قوله لقد جاءكم رسول من أنفسكم وخص المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون به ، فالمنة عليهم أعظم .
يتلو عليهم ” يتلو “ في موضع نصب نعت لرسول ، ومعناه يقرأ . والتلاوة القراءة . ويعلمهم الكتاب والحكمة تقدم في البقرة . وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين أي ولقد كانوا من قبل ، أي من قبل محمد ، وقيل : ” إن “ بمعنى ” ما “ ، واللام في الخبر بمعنى إلا . أي وما كانوا من قبل إلا في ضلال مبين . ومثله وإن كنتم من قبله لمن الضالين أي وما كنتم من قبله إلا من الضالين . وهذا مذهب الكوفيين . وقد تقدم في ” البقرة “ معنى هذه الآية .
اشترك في موقعنا الجيل القرآني
أرسل الينا البريد الالكتروني من أجل تلقي آخر محتوانا و التواصل بشكل مباشر و فوري مستهدين بالقرآن الكريم.
خصوصيتك مهمة بالنسبة لنا