وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ

تفسير الآية رقم

15

من سورة

إبراهيم

(Makkiyah)

تفسير ابن كثير (Tafsir Ibn Kathir)
وقوله : ( واستفتحوا ) أي : استنصرت الرسل ربها على قومها . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : استفتحت الأمم على أنفسها ، كما قالوا : ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) [ الأنفال : 32 ] .
ويحتمل أن يكون هذا مرادا وهذا مرادا ، كما أنهم استفتحوا على أنفسهم يوم بدر ، واستفتح رسول الله واستنصر ، وقال الله تعالى للمشركين : ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم ) الآية [ الأنفال : 19 ] والله أعلم .
( وخاب كل جبار عنيد ) أي : متجبر في نفسه معاند للحق ، كما قال تعالى : ( ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد ) [ ق : 24 – 26 ] .
وفي الحديث : ” إنه يؤتى بجهنم يوم القيامة ، فتنادي الخلائق فتقول : إني وكلت بكل جبار عنيد “ الحديث .
خاب وخسر حين اجتهد الأنبياء في الابتهال إلى ربها العزيز المقتدر .
تفسير الطبري (Tafsir al-Tabari)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: واستفتحت الرُّسل على قومها: أي استنصرت الله عليها (20) ( وخاب كل جبار عنيد ) ، يقول: هلك كل متكبر جائر حائدٍ عن الإقرار بتوحيد الله وإخلاص العبادة له.
* * *
و ” العنيد “ و ” العاند “ و ” العَنُود “ ، بمعنى واحد . (21)
* * *
ومن ” الجبار “ ، تقول: هو جَبَّار بَيِّنُ الجَبَريَّة ، والجَبْرِيَّة ، والجَبْرُوَّة ، والجَبَرُوت. (22)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
20612 – حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى وحدثني الحارث قال ، حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء جميعًا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( واستفتحوا ) ، قال: الرسل كلها . يقول: استنصروا ( عنيد ) ، قال معاند للحق مجانبه. (23)
20613 – حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله.
20614 – حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، ح وحدثني الحارث قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله: ( واستفتحوا ) ، قال: الرسل كُلها استنصروا ( وخاب كل جبَّار عَنيد ) ، قال: معاند للحق مجانبه.
20615 – حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله وقال ابن جريج: استفتحوا على قومهم.
20616 – حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى … (24)
20617 – حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس: ( واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ) ، قال: كانت الرسلُ والمؤمنون يستضعفهم قومُهم ، ويقهَرُونهم ويكذبونهم ، ويدعونهم إلى أن يعودوا في مِلّتهم ، فأبَى الله عز وجل لرسله وللمؤمنين أن يعودُوا في مِلّة الكفر ، وأمرَهُم أن يتوكلوا على الله ، وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة ، ووعدهم أن يُسْكنهم الأرض من بعدهم ، فأنجز الله لهم ما وعدهم ، واستفتحوا كما أمرهم أن يستفتحوا ، ( وخابَ كل جبار عنيد ) .
20618 – حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله: ( وخاب كل جبار عنيد ) ، قال: هو النَّاكب عن الحق . (25)
20619 – حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا مطرف ، عن بشر ، عن هشيم ، عن مغيرة ، عن سماك ، عن إبراهيم: ( وخاب كل جبار عنيد ) ، قال: الناكب عن الحق. (26)
20620 – حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( واستفتحوا ) ، يقول: استنصرت الرسل على قومها قوله: ( وخاب كل جبار عنيد ) ، و ” الجبار العنيد “ : الذي أبى أن يقول: لا إله إلا الله.
20621 – حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( واستفتحوا ) ، قال: استنصرت الرسل على قومها ( وخاب كل جبار عنيد ) ، يقول: عَنِيد عن الحق ، مُعْرِض عنه. (27)
20622 – حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله – وزاد فيه: مُعْرِض ، (28) أبى أن يقول: لا إله إلا الله.
20623 – حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله: ( وخاب كل جبار عنيد ) ، قال: ” العنيد عن الحق “ ، الذي يعنِدُ عن الطريق ، قال : والعرب تقول: ” شرُّ الأهْل العَنِيد “ (29) الذي يخرج عن الطريق.
20624 – حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله: ( واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ) ، قال: ” الجبّار “: المتجبّر. (30)
* * *
وكان ابن زيد يقول في معنى قوله: ( واستفتحوا ) ، خلاف قول هؤلاء ، ويقول: إنما استفتحت الأمم ، فأجيبت.
20625 – حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله: ( واستفتحوا ) ، قال: استفتاحهم بالبلاء ، قالوا: اللهم إن كان هذا الذي أتى به محمد هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء ، كما أمطرتها على قوم لوط ، أو ائتنا بعذاب أليم. (31) قال: كان استفتاحهم بالبلاء كما استفتح قوم هود: فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [سورة الأعراف : 70 ] قال: فالاستفتاح العذاب ، قال: قيل لهم: إنّ لهذا أجلا ! حين سألوا الله أن ينـزل عليهم ، فقال: ” بلْ نُؤخِّرُهُمْ ليَوْم تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَار “ . (32) فقالوا: لا نريد أن نؤخر إلى يوم القيامة: رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا عَذَابَنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ [سورة ص : 16 ] . وقرأ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ حتى بلغ: وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة العنكبوت : 53 – 55 ] .
———————–
الهوامش :
(20) انظر تفسير ” الاستفتاح “ فيما سلف 2 : 254 / 10 : 405 ، 406 ، ومجاز القرآن 1 : 337 .
(21) انظر تفسير ” عنيد “ فيما سلف 15 : 366 ، 367 ، ومجاز القرآن 1 : 337 .
(22) انظر تفسير ” جبار “ فيما سلف 10 ، 172/11 : 470 / 15 : 366 .
هذا ، وفي المطبوعة : ” هو جبار بين الجبرية ، والجبروتية ، والجبروة ، والجبروت “ زاد في اللغة ما لا نص عليه ، وهو ” الجبروتية “ ، ونقص واحدة من الخمس ” الجبروة “ . وكان في المخطوطة مكان ” الجبرية “ الثانية : ” الجبر ننبه “ ، غير منقوطة ، وأساء كتابتها .
(23) الأثر : 20612 – هذا الذي أثبته هو الذي جاء في المخطوطة ، وطابق ما خرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 73 ، عن مجاهد ، ونسبه لابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وكان في المطبوعة هنا .
” يقول : استنصروا على أَعدائهم ومعانديهم ، أَي على من عاند عن اتباع الحق وتجنَّبه “ .
(24) الأثر : 20616 – هذا إسناد مقحم فيما أرجح ، وإنما هو صدر الإسناد رقم : 20612 اجتلبته يد الناسخ سهوًا إلى هذا المكان . والله أعلم .
(25) الأثر : 20618 – في هذا الخبر أيضًا زيادة لا أدري كيف جاءت ، فاقتصرت على ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما خرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 73 ، عن إبراهيم النخعي ، ونسبه لابن جرير وحده ، والزيادة التي كانت المطبوعة هي :
” أي الحائد عن اتباع طريق الحق”
وانظر الخبر التالي ، بلا زيادة أيضًا .
(26) الأثر : 20619 – ” مطرف بن بشر “ ، لا أدري ما هو ، ولم أجد له ذكرًا في شيء مما بين يدي . وجاء ناشر المطبوعة فجعله ” مطرف ، عن بشر “ بلا دليل .
(27) في المطبوعة ، والدر المنثور 4 : 73 : ” بعيد عن الحق “ ، وأرى الصواب ما في المخطوطة ، انظر ما سلف في تفسير ” عنيد “ ص : .. 542 ، 543
(28) في المطبوعة : ” معرض عنه “ ، كأنه زادها من عنده .
(29) في المطبوعة : ” شر الإبل “ ، ولا أدري أهو صواب ، أم غيرها الناشر ، ولكني أثبت ما في المخطوطة ، فهو عندي أوثق .
(30) في المطبوعة : ” هو المتجبر “ ، زاد في الكلام .
(31) هذا من تأويل آية سورة الأنفال : 32 .
(32) هو انتزاع من آية سورة إبراهيم : 42 .
تفسير السعدي (Tafsir al-Sa'di)
{ وَاسْتَفْتَحُوا } أي: الكفار أي: هم الذين طلبوا واستعجلوا فتح الله وفرقانه بين أوليائه وأعدائه فجاءهم ما استفتحوا به وإلا فالله حليم لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } أي: خسر في الدنيا والآخرة من تجبر على الله وعلى الحق وعلى عباد الله واستكبر في الأرض وعاند الرسل وشاقهم.
تفسير البغوي (Tafsir al-Baghawi)
قوله عز وجل : ( واستفتحوا ) أي : استنصروا . قال ابن عباس ، ومقاتل : يعني الأمم ، وذلك أنهم قالوا : اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا ، نظيره قوله تعالى : ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ) ( الأنفال – 32 ) .
وقال مجاهد ، وقتادة : واستفتحوا يعني الرسل ، وذلك أنهم لما يئسوا من إيمان قومهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب كما قال نوح عليه السلام ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) ( نوح – 26 ) وقال موسى عليه السلام : ( ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم ) ( يونس – 88 ) . ، الآية
( وخاب ) خسر . وقيل : هلك ( كل جبار عنيد ) والجبار : الذي لا يرى فوقه أحدا . والجبرية : طلب العلو بما لا غاية وراءه . وهذا الوصف لا يكون إلا لله عز وجل .
وقيل : الجبار : الذي يجبر الخلق على مراده ، والعنيد : المعاند للحق ومجانبه . قاله مجاهد .
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – : هو المعرض عن الحق .
وقال مقاتل : هو المتكبر .
وقال قتادة : ” العنيد “ الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله .
تفسير القرطبي (Tafsir al-Qurtubi)
قوله تعالى : واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد
قوله تعالى : واستفتحوا أي واستنصروا ; أي أذن للرسل في الاستفتاح على قومهم ، والدعاء بهلاكهم ; قاله ابن عباس وغيره ، وقد مضى في ” البقرة “ . ومنه الحديث : إن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يستفتح بصعاليك المهاجرين ، أي يستنصر . وقال ابن زيد : استفتحت الأمم بالدعاء كما قالت قريش : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية . وروي عن ابن عباس . وقيل قال الرسول : إنهم كذبوني فافتح بيني وبينهم فتحا وقالت الأمم : إن كان هؤلاء صادقين فعذبنا ، عن ابن عباس أيضا ; نظيره ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ، ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين .
وخاب كل جبار عنيد الجبار المتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقا ; هكذا هو عند أهل اللغة ; ذكره النحاس . والعنيد المعاند للحق والمجانب له ، عن ابن عباس وغيره ; يقال : عند عن قومه أي تباعد عنهم . وقيل : هو من العند ، وهو الناحية وعاند فلان أي أخذ في ناحية معرضا ; قال الشاعر :
إذا نزلت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العندا
وقال الهروي : قوله تعالى : جبار عنيد أي جائر عن القصد ; وهو العنود والعنيد والعاند ; وفي حديث ابن عباس وسئل عن المستحاضة فقال : إنه عرق عاند . قال أبو عبيد : هو الذي عند وبغى كالإنسان يعاند ; فهذا العرق في كثرة ما يخرج منه بمنزلته . وقال شمر : العاند الذي لا يرقأ . وقال عمر يذكر سيرته : أضم العنود ; قال الليث : العنود من الإبل الذي لا يخالطها إنما هو في ناحية أبدا ; أراد من هم بالخلاف أو بمفارقة الجماعة عطفت به إليها . وقال مقاتل : العنيد المتكبر . وقال ابن كيسان : هو الشامخ بأنفه . وقيل : العنود والعنيد الذي يتكبر على الرسل ويذهب عن طريق الحق فلا يسلكها ; تقول العرب : شر الإبل العنود الذي يخرج عن الطريق . وقيل : العنيد العاصي . وقال قتادة : العنيد الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله . قلت : والجبار والعنيد في الآية بمعنى واحد ، وإن كان اللفظ مختلفا ، وكل متباعد عن الحق جبار وعنيد أي متكبر . وقيل : إن المراد به في الآية أبو جهل ; ذكره المهدوي . وحكى الماوردي في كتاب أدب الدنيا والدين أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوما في المصحف فخرج له قوله – عز وجل – : واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد فمزق المصحف وأنشأ يقول :
أتوعد كل جبار عنيد فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يا رب مزقني الوليد
فلم يلبث إلا أياما حتى قتل شر قتلة ، وصلب رأسه على قصره ، ثم على سور بلده .

اشترك في موقعنا الجيل القرآني

أرسل الينا البريد الالكتروني من أجل تلقي آخر محتوانا و التواصل بشكل مباشر و فوري مستهدين بالقرآن الكريم.

خصوصيتك مهمة بالنسبة لنا
تواصل معنا على :
شارك المحتوى :