اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ
تفسير الآية رقم
2
من سورة
الرعد
(Madaniyah)
تفسير ابن كثير (Tafsir Ibn Kathir)
يخبر الله تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه : أنه الذي بإذنه وأمره رفع السماوات بغير عمد ، بل بإذنه وأمره وتسخيره رفعها عن الأرض بعدا لا تنال ولا يدرك مداها ، فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها وأرجائها ، مرتفعة عليها من كل جانب على السواء ، وبعد ما بينها وبين الأرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام ، وسمكها في نفسها مسيرة خمسمائة عام . ثم السماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا وما حوت ، وبينها وبينها من البعد مسيرة خمسمائة عام ، وسمكها خمسمائة عام ، ثم السماء الثالثة محيطة بالثانية ، بما فيها ، وبينها وبينها خمسمائة عام ، وسمكها خمسمائة عام ، وكذا الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة ، كما قال [ الله ] تعالى : ( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) [ الطلاق : 12 ] وفي الحديث : ” ما السماوات السبع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، والكرسي في العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة وفي رواية : “ والعرش لا يقدر قدره إلا الله ، عز وجل ، وجاء عن بعض السلف أن بعد ما بين العرش إلى الأرض مسيرة خمسين ألف سنة ، وبعد ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة ، وهو من ياقوتة حمراء .
وقوله : ( بغير عمد ترونها ) روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة : أنهم : قالوا : لها عمد ولكن لا ترى .
وقال إياس بن معاوية : السماء على الأرض مثل القبة ، يعني بلا عمد . وكذا روي عن قتادة ، وهذا هو اللائق بالسياق . والظاهر من قوله تعالى : ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ) [ الحج : 65 ] فعلى هذا يكون قوله : ( ترونها ) تأكيدا لنفي ذلك ، أي : هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها . هذا هو الأكمل في القدرة . وفي شعر أمية بن أبي الصلت الذي آمن شعره وكفر قلبه ، كما ورد في الحديث ويروى لزيد بن عمرو بن نفيل ، رحمه الله ورضي عنه :
وأنت الذي من فضل من ورحمة بعثت إلى موسى رسولا مناديا فقلت له : فاذهب وهارون فادعوا
إلى الله فرعون الذي كان طاغيا وقولا له : هل أنت سويت هذه
بلا [ وتد حتى اطمأنت كما هيا وقولا له : أأنت رفعت هذه
بلا ] عمد أرفق إذا بك بانيا ؟ وقولا له : هل أنت سويت وسطها
منيرا إذا ما جنك الليل هاديا وقولا له : من يرسل الشمس غدوة
فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا ؟ وقولا له : من ينبت الحب في الثرى
فيصبح منه العشب يهتز رابيا ؟ ويخرج منه حبه في رءوسه
ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
وقوله : ( ثم استوى على العرش ) تقدم تفسير ذلك في سورة ” الأعراف “ وأنه يمرر كما جاء من غير تكييف ، ولا تشبيه ، ولا تعطيل ، ولا تمثيل ، تعالى الله علوا كبيرا .
وقوله : ( وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ) قيل : المراد أنهما يجريان إلى انقطاعهما بقيام الساعة ، كما في قوله تعالى : ( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) [ يس : 38 ] .
وقيل : المراد إلى مستقرهما ، وهو تحت العرش مما يلي بطن الأرض من الجانب الآخر ، فإنهما وسائر الكواكب إذا وصلوا هنالك ، يكونون أبعد ما يكون عن العرش; لأنه على الصحيح الذي تقوم عليه الأدلة ، قبة مما يلي العالم من هذا الوجه ، وليس بمحيط كسائر الأفلاك; لأنه له قوائم وحملة يحملونه . ولا يتصور هذا في الفلك المستدير ، وهذا واضح لمن تدبر ما وردت به الآيات والأحاديث الصحيحة ، ولله الحمد والمنة .
وذكر الشمس والقمر; لأنهما أظهر الكواكب السيارة السبعة ، التي هي أشرف وأعظم .
من الثوابت ، فإذا كان قد سخر هذه ، فلأن يدخل في التسخير سائر الكواكب بطريق الأولى والأحرى ، كما نبه بقوله تعالى : ( لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ) [ فصلت : 37 ] مع أنه قد صرح بذلك بقوله ( والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) [ الأعراف : 54 ] .
وقوله : ( يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون ) أي : يوضح الآيات والدلالات الدالة على أنه لا إله إلا هو ، وأنه يعيد الخلق إذا شاء كما ابتدأ خلقه .
وقوله : ( بغير عمد ترونها ) روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة : أنهم : قالوا : لها عمد ولكن لا ترى .
وقال إياس بن معاوية : السماء على الأرض مثل القبة ، يعني بلا عمد . وكذا روي عن قتادة ، وهذا هو اللائق بالسياق . والظاهر من قوله تعالى : ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ) [ الحج : 65 ] فعلى هذا يكون قوله : ( ترونها ) تأكيدا لنفي ذلك ، أي : هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها . هذا هو الأكمل في القدرة . وفي شعر أمية بن أبي الصلت الذي آمن شعره وكفر قلبه ، كما ورد في الحديث ويروى لزيد بن عمرو بن نفيل ، رحمه الله ورضي عنه :
وأنت الذي من فضل من ورحمة بعثت إلى موسى رسولا مناديا فقلت له : فاذهب وهارون فادعوا
إلى الله فرعون الذي كان طاغيا وقولا له : هل أنت سويت هذه
بلا [ وتد حتى اطمأنت كما هيا وقولا له : أأنت رفعت هذه
بلا ] عمد أرفق إذا بك بانيا ؟ وقولا له : هل أنت سويت وسطها
منيرا إذا ما جنك الليل هاديا وقولا له : من يرسل الشمس غدوة
فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا ؟ وقولا له : من ينبت الحب في الثرى
فيصبح منه العشب يهتز رابيا ؟ ويخرج منه حبه في رءوسه
ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
وقوله : ( ثم استوى على العرش ) تقدم تفسير ذلك في سورة ” الأعراف “ وأنه يمرر كما جاء من غير تكييف ، ولا تشبيه ، ولا تعطيل ، ولا تمثيل ، تعالى الله علوا كبيرا .
وقوله : ( وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ) قيل : المراد أنهما يجريان إلى انقطاعهما بقيام الساعة ، كما في قوله تعالى : ( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) [ يس : 38 ] .
وقيل : المراد إلى مستقرهما ، وهو تحت العرش مما يلي بطن الأرض من الجانب الآخر ، فإنهما وسائر الكواكب إذا وصلوا هنالك ، يكونون أبعد ما يكون عن العرش; لأنه على الصحيح الذي تقوم عليه الأدلة ، قبة مما يلي العالم من هذا الوجه ، وليس بمحيط كسائر الأفلاك; لأنه له قوائم وحملة يحملونه . ولا يتصور هذا في الفلك المستدير ، وهذا واضح لمن تدبر ما وردت به الآيات والأحاديث الصحيحة ، ولله الحمد والمنة .
وذكر الشمس والقمر; لأنهما أظهر الكواكب السيارة السبعة ، التي هي أشرف وأعظم .
من الثوابت ، فإذا كان قد سخر هذه ، فلأن يدخل في التسخير سائر الكواكب بطريق الأولى والأحرى ، كما نبه بقوله تعالى : ( لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ) [ فصلت : 37 ] مع أنه قد صرح بذلك بقوله ( والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) [ الأعراف : 54 ] .
وقوله : ( يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون ) أي : يوضح الآيات والدلالات الدالة على أنه لا إله إلا هو ، وأنه يعيد الخلق إذا شاء كما ابتدأ خلقه .
تفسير الطبري (Tafsir al-Tabari)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الله، يا محمد، هو الذي رفع السموات السبع بغير عَمَد ترونها, فجعلها للأرض سقْفًا مسموكًا .
* * *
و ” العَمَد “ جمع ” عمود “, وهي السَّواري, وما يعمد به البناء, كما قال النابغة:
وَخَـيِّسِ الجِـنَّ إنِّـي قَـدْ أذِنْـتُ لَهُمْ
يَبْنُــون تَدْمُــرَ بِالصُّفَّـاحِ وَالعَمَـدِ (8)
وجمع ” العمود: “” عَمَد,” كما جمع الأديم: ” أدَم “, ولو جمع بالضم فقيل: ” عُمُد “ جاز, كما يجمع ” الرسول “” رسل “, و ” الشَّكور “” شكر “ .
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (رفع السماوات بغير عمد ترونها) .
فقال بعضهم: تأويل ذلك: الله الذي رفع السموات بعَمَدٍ لا ترونها .
*ذكر من قال ذلك:
20051- حدثنا أحمد بن هشام قال: حدثنا معاذ بن معاذ قال: حدثنا عمران بن حدير, عن عكرمة قال: قلت لابن عباس: إن فلانًا يقول: إنها على عمد يعنى السماء؟ قال: فقال: اقرأها(بغير عمَدٍ ترونها): أي لا ترونها .
20052- حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال: حدثنا معاذ بن معاذ, عن عمران بن حدير, عن عكرمة, عن ابن عباس, مثله .
20053- حدثنا الحسن بن محمد قال: ثنا عفان قال: حدثنا حماد قال: حدثنا حميد, عن الحسن بن مسلم, عن مجاهد في قوله: (بغير عمد ترونها) ، قال: بعمد لا ترونها .
20054- حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد, عن حميد, عن الحسن بن مسلم, عن مجاهد, في قول الله: (بغير عمد ترونها) قال: هي لا ترونها (9) .
20055- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد (بغير عمد) يقول: عمد [لا ترونها] . (10)
20056- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .
20057- …… قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن الحسن وقتادة قوله: (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها) قال قتادة: قال ابن عباس: بعَمَدٍ ولكن لا ترونها .
20058- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس, قوله: (رفع السماوات بغير عمد ترونها) قال: ما يدريك؟ لعلها بعمد لا ترونها.
* * *
ومن تأوَّل ذلك كذلك, قصد مذهب تقديم العرب الجحدَ من آخر الكلام إلى أوله, كقول الشاعر (11)
وَلا أرَاهَـــا تَـــزَالُ ظَالِمَـــةً
تُحْــدِثُ لِــي نَكْبَــةً وتَنْكَؤُهَــا (12)
يريد: أراها لا تزال ظالمة, فقدم الجحد عن موضعه من ” تزال “, وكما قال الآخر: (13)
إذَا أَعْجَـبَتْكَ الدَّهْـرَ حَـالٌ مِنَ امْرِئٍ
فَدَعْــهُ وَوَاكِــلْ حَالَــهُ وَاللَّيَاليَـا (14)
يَجِـئْنَ عَـلَى مَـا كَـانَ مِنْ صَالحٍ بِهِ
وَإنْ كَـانَ فِيمـا لا يَـرَى النَّـاسُ آلِيَا
يعني: وإن كان فيما يرى الناس لا يألو .
* * *
وقال آخرون، بل هي مرفوعة بغير عمد .
*ذكر من قال ذلك:
20059- حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: أخبرنا آدم قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن إياس بن معاوية, في قوله: (رفع السماوات بغير عمد ترونها) قال: السماء مقبّبة على الأرض مثل القبة . (15)
20060- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (بغير عمد ترونها) قال: رفعها بغير عمد .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى: (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها) فهي مرفوعة بغير عمد نَراها, كما قال ربنا جل ثناؤه . ولا خبر بغير ذلك, ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه . (16)
* * *
وأما قوله: (ثم استوى على العرش) فإنه يعني: علا عليه .
* * *
وقد بينا معنى الاستواء واختلاف المختلفين فيه، والصحيح من القول فيما قالوا فيه، بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . (17)
* * *
وقوله: (وسخر الشمس والقمر) يقول: وأجرى الشمس والقمر في السماء, فسخرهما فيها لمصالح خلقه, وذلَّلَهما لمنافعهم, ليعلموا بجريهما فيها عدد السنين والحساب, ويفصلوا به بين الليل والنهار .
* * *
وقوله: (كل يجري لأجل مسمَّى) يقول جل ثناؤه: كل ذلك يجري في السماء(لأجل مسمى): أي: لوقت معلوم, (18) وذلك إلى فناء الدنيا وقيام القيامة التي عندها تكوَّر الشمس, ويُخْسف القمر، وتنكدر النجوم.
وحذف ذلك من الكلام، لفهم السامعين من أهل لسان من نـزل بلسانه القرآن معناه, وأن (كلّ) لا بدَّ لها من إضافة إلى ما تحيط به . (19)
* * *
وبنحو الذي قلنا في قوله: (لأجل مسمى) قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20061- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمّى) قال: الدنيا . (20)
* * *
وقوله: (يدبِّر الأمر) يقول تعالى ذكره: يقضي الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها أمورَ الدنيا والآخرة كلها, ويدبِّر ذلك كله وحده, بغير شريك ولا ظهير ولا معين سُبْحانه . (21)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20062- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد (يدبر الأمر) يقضيه وحده .
20063- ……… قال حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه .
20064- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, بنحوه .
* * *
وقوله: (يفصل الآيات) يقول: يفصل لكم ربُّكم آيات كتابه, فيبينها لكم (22) احتجاجًا بها عليكم، أيها الناس (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) يقول: لتوقنوا بلقاء الله, والمعاد إليه, فتصدقوا بوعده ووعيده، (23) وتنـزجروا عن عبادة الآلهة والأوثان, وتخلصوا له العبادة إذا أيقنتم ذلك . (24)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20065- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) ، وإن الله تبارك وتعالى إنما أنـزل كتابه وأرسل رسله، لنؤمن بوعده, ونستيقن بلقائه .
———————–
الهوامش :
(8) ديوانه : 29 ، ومجاز القرآن 1 : 320 ، وشمس العلوم لنشوان الحميري : 37 ، وغيرها كثير ، من قصيدته المشهورة التي اعتذر فيها للنعمان ، لما قذفوه بأمر المتجردة ، يقول قبله :
ولاَ أَرَى فَـاعلاً فِـي النَّـاسِ يُشْـبِهُهُ
ولاَ أُحَاشِـي مِـنَ الأقْـوامِ مِـنْ أَحَدِ
إلاَّ سُــلَيْمَانَ إذْ قَــالَ الإلــهُ لَـهُ
قُـمْ فِـي البَرِيَّـةِ فَاحْدُدْهَـا عن الفَنَدِ
وقوله :” وخيس الجن” ، أي : ذللها ورضها . و” الصفاح” ، حجارة رقاق عراض صلاب .
و” تدمر” مدينة بالشام . قال نشوان الحميري في شمس العلوم :” مدينة الشأم مبنية بعظام الصخر ، فيها بناء عجيب ، سميت بتدمر الملكة العمليقية بنت حسان بن أذينة ، لأنها أول من بناها . ثم سكنها سليمان بن داود عليه السلام بعد ذلك . فبنت له فيها الجن بناء عظيمًا ، فنسبت اليهود والعرب بناءها إلى الجن ، لما استعظموه” .
وهذا نص جيد من أخبارهم وقصصهم في الجاهلية .
(9) الأثران : 20053 ، 20054 –” الحسن بن مسلم بن يناق المكي” ، ثقة ، وله أحاديث مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 2 / 304 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 36 .
(10) ما بين القوسين زيادة لا بد منها ، وليست في المخطوطة .
(11) هو ابن هرمة .
(12) شرح شواهد المغني 277 ، 279 من تسعة أبيات ، ومعاني القرآن للفراء في تفسير الآية ، والأضداد لابن الأنباري : 234 .
وقد زعموا أنه قيل لابن هرمة : إن قريشًا لا تهمز ، فقال : لأقولن قصيدة أهمزها كلها بلسان قريش ، وأولها :
إنَّ سُـــلَيْمي واللـــه يكْلَؤهَـــا
ضَنَّـتْ بِشَـيء مَـا كَـان يَرْزَؤُهـا
وعَـــوَّدَتْنِي فِيمـــا تُعَـــوِّدُني
أَظْمَــاءُ وِرْدٍ مــا كُـنْتُ أجزَؤُهَـا
ولا أرَاهَـــا تَـــزَال ظَالِمـــةً
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(13) لم أعرف قائله .
(14) معاني القرآن للفراء في تفسير الآية ، والأضداد لابن الأنباري : 234 ، وقوله :” واكل حاله” ، أي : دع أمره لليالي . من” وكل إليه الأمر” ، أي : صرف أمره إليه . وقوله :” يجئن على ما كان من صالح به” ، أي يقضين على صالح أمره ويذهبنه . و” الآلي” ، المقصر .
(15) الأثر : 20059 –” إياس بن معاوية بن قرة المزني” ،” أبو واثلة” قاضي البصرة ، ثقة ، وكان فقيهًا عفيفًا ، وكان عاقلا فطنًا من الرجال ، يضرب به المثل في الحلم والدهاء . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 1 / 442 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 282 ، وابن سعد 7 / 2 / 4 ، 5 .
(16) أي احتياط وفقه وعقل وورع ، كان أبو جعفر يستعمل في تفسيره ! .
(17) انظر تفسير” الاستواء” فيما سلف 1 : 428 – 431 / 12 : 482 ، 483 / 15 : 18 .
وتفسير” العرش” فيما سلف 15 : 245 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(18) انظر تفسير” الأجل المسمى” فيما سلف 6 : 43 / 11 : 256 – 259 ، 407 .
(19) انظر تفسير” كل” وأحكامها فيما سلف 15 : 540 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك . وانظر ما قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 1 : 321 .
(20) قوله” الدنيا” ، كأنه يعني : فناء الدنيا ، فاقتصر على ذكر” الدنيا” ، لأنه معلوم بضرورة الدين أنها فانية ، وإنما الخلود في الآخرة .
(21) انظر تفسير” التدبير” فيما سلف 15 : 18 ، 19 ، 84 .
(22) انظر تفسير” تفصيل الآيات” فيما سلف 15 : 227 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(23) انظر تفسير” الإيقان” فيما سلف 10 : 394 / 11 : 475 .
(24) في المطبوعة :” تيقنتم” ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو لب الصواب .
* * *
و ” العَمَد “ جمع ” عمود “, وهي السَّواري, وما يعمد به البناء, كما قال النابغة:
وَخَـيِّسِ الجِـنَّ إنِّـي قَـدْ أذِنْـتُ لَهُمْ
يَبْنُــون تَدْمُــرَ بِالصُّفَّـاحِ وَالعَمَـدِ (8)
وجمع ” العمود: “” عَمَد,” كما جمع الأديم: ” أدَم “, ولو جمع بالضم فقيل: ” عُمُد “ جاز, كما يجمع ” الرسول “” رسل “, و ” الشَّكور “” شكر “ .
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (رفع السماوات بغير عمد ترونها) .
فقال بعضهم: تأويل ذلك: الله الذي رفع السموات بعَمَدٍ لا ترونها .
*ذكر من قال ذلك:
20051- حدثنا أحمد بن هشام قال: حدثنا معاذ بن معاذ قال: حدثنا عمران بن حدير, عن عكرمة قال: قلت لابن عباس: إن فلانًا يقول: إنها على عمد يعنى السماء؟ قال: فقال: اقرأها(بغير عمَدٍ ترونها): أي لا ترونها .
20052- حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال: حدثنا معاذ بن معاذ, عن عمران بن حدير, عن عكرمة, عن ابن عباس, مثله .
20053- حدثنا الحسن بن محمد قال: ثنا عفان قال: حدثنا حماد قال: حدثنا حميد, عن الحسن بن مسلم, عن مجاهد في قوله: (بغير عمد ترونها) ، قال: بعمد لا ترونها .
20054- حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد, عن حميد, عن الحسن بن مسلم, عن مجاهد, في قول الله: (بغير عمد ترونها) قال: هي لا ترونها (9) .
20055- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد (بغير عمد) يقول: عمد [لا ترونها] . (10)
20056- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .
20057- …… قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن الحسن وقتادة قوله: (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها) قال قتادة: قال ابن عباس: بعَمَدٍ ولكن لا ترونها .
20058- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس, قوله: (رفع السماوات بغير عمد ترونها) قال: ما يدريك؟ لعلها بعمد لا ترونها.
* * *
ومن تأوَّل ذلك كذلك, قصد مذهب تقديم العرب الجحدَ من آخر الكلام إلى أوله, كقول الشاعر (11)
وَلا أرَاهَـــا تَـــزَالُ ظَالِمَـــةً
تُحْــدِثُ لِــي نَكْبَــةً وتَنْكَؤُهَــا (12)
يريد: أراها لا تزال ظالمة, فقدم الجحد عن موضعه من ” تزال “, وكما قال الآخر: (13)
إذَا أَعْجَـبَتْكَ الدَّهْـرَ حَـالٌ مِنَ امْرِئٍ
فَدَعْــهُ وَوَاكِــلْ حَالَــهُ وَاللَّيَاليَـا (14)
يَجِـئْنَ عَـلَى مَـا كَـانَ مِنْ صَالحٍ بِهِ
وَإنْ كَـانَ فِيمـا لا يَـرَى النَّـاسُ آلِيَا
يعني: وإن كان فيما يرى الناس لا يألو .
* * *
وقال آخرون، بل هي مرفوعة بغير عمد .
*ذكر من قال ذلك:
20059- حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: أخبرنا آدم قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن إياس بن معاوية, في قوله: (رفع السماوات بغير عمد ترونها) قال: السماء مقبّبة على الأرض مثل القبة . (15)
20060- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (بغير عمد ترونها) قال: رفعها بغير عمد .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى: (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها) فهي مرفوعة بغير عمد نَراها, كما قال ربنا جل ثناؤه . ولا خبر بغير ذلك, ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه . (16)
* * *
وأما قوله: (ثم استوى على العرش) فإنه يعني: علا عليه .
* * *
وقد بينا معنى الاستواء واختلاف المختلفين فيه، والصحيح من القول فيما قالوا فيه، بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . (17)
* * *
وقوله: (وسخر الشمس والقمر) يقول: وأجرى الشمس والقمر في السماء, فسخرهما فيها لمصالح خلقه, وذلَّلَهما لمنافعهم, ليعلموا بجريهما فيها عدد السنين والحساب, ويفصلوا به بين الليل والنهار .
* * *
وقوله: (كل يجري لأجل مسمَّى) يقول جل ثناؤه: كل ذلك يجري في السماء(لأجل مسمى): أي: لوقت معلوم, (18) وذلك إلى فناء الدنيا وقيام القيامة التي عندها تكوَّر الشمس, ويُخْسف القمر، وتنكدر النجوم.
وحذف ذلك من الكلام، لفهم السامعين من أهل لسان من نـزل بلسانه القرآن معناه, وأن (كلّ) لا بدَّ لها من إضافة إلى ما تحيط به . (19)
* * *
وبنحو الذي قلنا في قوله: (لأجل مسمى) قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20061- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمّى) قال: الدنيا . (20)
* * *
وقوله: (يدبِّر الأمر) يقول تعالى ذكره: يقضي الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها أمورَ الدنيا والآخرة كلها, ويدبِّر ذلك كله وحده, بغير شريك ولا ظهير ولا معين سُبْحانه . (21)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20062- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد (يدبر الأمر) يقضيه وحده .
20063- ……… قال حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه .
20064- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, بنحوه .
* * *
وقوله: (يفصل الآيات) يقول: يفصل لكم ربُّكم آيات كتابه, فيبينها لكم (22) احتجاجًا بها عليكم، أيها الناس (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) يقول: لتوقنوا بلقاء الله, والمعاد إليه, فتصدقوا بوعده ووعيده، (23) وتنـزجروا عن عبادة الآلهة والأوثان, وتخلصوا له العبادة إذا أيقنتم ذلك . (24)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20065- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) ، وإن الله تبارك وتعالى إنما أنـزل كتابه وأرسل رسله، لنؤمن بوعده, ونستيقن بلقائه .
———————–
الهوامش :
(8) ديوانه : 29 ، ومجاز القرآن 1 : 320 ، وشمس العلوم لنشوان الحميري : 37 ، وغيرها كثير ، من قصيدته المشهورة التي اعتذر فيها للنعمان ، لما قذفوه بأمر المتجردة ، يقول قبله :
ولاَ أَرَى فَـاعلاً فِـي النَّـاسِ يُشْـبِهُهُ
ولاَ أُحَاشِـي مِـنَ الأقْـوامِ مِـنْ أَحَدِ
إلاَّ سُــلَيْمَانَ إذْ قَــالَ الإلــهُ لَـهُ
قُـمْ فِـي البَرِيَّـةِ فَاحْدُدْهَـا عن الفَنَدِ
وقوله :” وخيس الجن” ، أي : ذللها ورضها . و” الصفاح” ، حجارة رقاق عراض صلاب .
و” تدمر” مدينة بالشام . قال نشوان الحميري في شمس العلوم :” مدينة الشأم مبنية بعظام الصخر ، فيها بناء عجيب ، سميت بتدمر الملكة العمليقية بنت حسان بن أذينة ، لأنها أول من بناها . ثم سكنها سليمان بن داود عليه السلام بعد ذلك . فبنت له فيها الجن بناء عظيمًا ، فنسبت اليهود والعرب بناءها إلى الجن ، لما استعظموه” .
وهذا نص جيد من أخبارهم وقصصهم في الجاهلية .
(9) الأثران : 20053 ، 20054 –” الحسن بن مسلم بن يناق المكي” ، ثقة ، وله أحاديث مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 2 / 304 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 36 .
(10) ما بين القوسين زيادة لا بد منها ، وليست في المخطوطة .
(11) هو ابن هرمة .
(12) شرح شواهد المغني 277 ، 279 من تسعة أبيات ، ومعاني القرآن للفراء في تفسير الآية ، والأضداد لابن الأنباري : 234 .
وقد زعموا أنه قيل لابن هرمة : إن قريشًا لا تهمز ، فقال : لأقولن قصيدة أهمزها كلها بلسان قريش ، وأولها :
إنَّ سُـــلَيْمي واللـــه يكْلَؤهَـــا
ضَنَّـتْ بِشَـيء مَـا كَـان يَرْزَؤُهـا
وعَـــوَّدَتْنِي فِيمـــا تُعَـــوِّدُني
أَظْمَــاءُ وِرْدٍ مــا كُـنْتُ أجزَؤُهَـا
ولا أرَاهَـــا تَـــزَال ظَالِمـــةً
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(13) لم أعرف قائله .
(14) معاني القرآن للفراء في تفسير الآية ، والأضداد لابن الأنباري : 234 ، وقوله :” واكل حاله” ، أي : دع أمره لليالي . من” وكل إليه الأمر” ، أي : صرف أمره إليه . وقوله :” يجئن على ما كان من صالح به” ، أي يقضين على صالح أمره ويذهبنه . و” الآلي” ، المقصر .
(15) الأثر : 20059 –” إياس بن معاوية بن قرة المزني” ،” أبو واثلة” قاضي البصرة ، ثقة ، وكان فقيهًا عفيفًا ، وكان عاقلا فطنًا من الرجال ، يضرب به المثل في الحلم والدهاء . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 1 / 442 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 282 ، وابن سعد 7 / 2 / 4 ، 5 .
(16) أي احتياط وفقه وعقل وورع ، كان أبو جعفر يستعمل في تفسيره ! .
(17) انظر تفسير” الاستواء” فيما سلف 1 : 428 – 431 / 12 : 482 ، 483 / 15 : 18 .
وتفسير” العرش” فيما سلف 15 : 245 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(18) انظر تفسير” الأجل المسمى” فيما سلف 6 : 43 / 11 : 256 – 259 ، 407 .
(19) انظر تفسير” كل” وأحكامها فيما سلف 15 : 540 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك . وانظر ما قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 1 : 321 .
(20) قوله” الدنيا” ، كأنه يعني : فناء الدنيا ، فاقتصر على ذكر” الدنيا” ، لأنه معلوم بضرورة الدين أنها فانية ، وإنما الخلود في الآخرة .
(21) انظر تفسير” التدبير” فيما سلف 15 : 18 ، 19 ، 84 .
(22) انظر تفسير” تفصيل الآيات” فيما سلف 15 : 227 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(23) انظر تفسير” الإيقان” فيما سلف 10 : 394 / 11 : 475 .
(24) في المطبوعة :” تيقنتم” ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو لب الصواب .
تفسير السعدي (Tafsir al-Sa'di)
يخبر تعالى عن انفراده بالخلق والتدبير، والعظمة والسلطان الدال على أنه وحده المعبود الذي لا تنبغي العبادة إلا له فقال: { اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ } على عظمها واتساعها بقدرته العظيمة، { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } أي: ليس لها عمد من تحتها، فإنه لو كان لها عمد، لرأيتموها { ثُمَّ } بعد ما خلق السماوات والأرض { اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } العظيم الذي هو أعلى المخلوقات، استواء يليق بجلاله ويناسب كماله.
{ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } لمصالح العباد ومصالح مواشيهم وثمارهم، { كُلِّ } من الشمس والقمر { يَجْرِي } بتدبير العزيز العليم، { لأَجَلٍ مُسَمًّى } بسير منتظم، لا يفتران ولا ينيان، حتى يجيء الأجل المسمى وهو طي الله هذا العالم، ونقلهم إلى الدار الآخرة التي هي دار القرار، فعند ذلك يطوي الله السماوات ويبدلها، ويغير الأرض ويبدلها. فتكور الشمس والقمر، ويجمع بينهما فيلقيان في النار، ليرى من عبدهما أنهما غير أهل للعبادة؛ فيتحسر بذلك أشد الحسرة وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين.
وقوله { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ } هذا جمع بين الخلق والأمر، أي: قد استوى الله العظيم على سرير الملك، يدبر الأمور في العالم العلوي والسفلي، فيخلق ويرزق، ويغني ويفقر، ويرفع أقواما ويضع آخرين، ويعز ويذل، ويخفض ويرفع، ويقيل العثرات، ويفرج الكربات، وينفذ الأقدار في أوقاتها التي سبق بها علمه، وجرى بها قلمه، ويرسل ملائكته الكرام لتدبير ما جعلهم على تدبيره.
وينزل الكتب الإلهية على رسله ويبين ما يحتاج إليه العباد من الشرائع والأوامر والنواهي، ويفصلها غاية التفصيل ببيانها وإيضاحها وتمييزها، { لَعَلَّكُمْ } بسبب ما أخرج لكم من الآيات الأفقية والآيات القرآنية، { بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } فإن كثرة الأدلة وبيانها ووضوحها، من أسباب حصول اليقين في جميع الأمور الإلهية، خصوصا في العقائد الكبار، كالبعث والنشور والإخراج من القبور.
وأيضا فقد علم أن الله تعالى حكيم لا يخلق الخلق سدى، ولا يتركهم عبثا، فكما أنه أرسل رسله وأنزل كتبه لأمر العباد ونهيهم، فلا بد أن ينقلهم إلى دار يحل فيها جزاؤه، فيجازي المحسنين بأحسن الجزاء، ويجازي المسيئين بإساءتهم.
{ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } لمصالح العباد ومصالح مواشيهم وثمارهم، { كُلِّ } من الشمس والقمر { يَجْرِي } بتدبير العزيز العليم، { لأَجَلٍ مُسَمًّى } بسير منتظم، لا يفتران ولا ينيان، حتى يجيء الأجل المسمى وهو طي الله هذا العالم، ونقلهم إلى الدار الآخرة التي هي دار القرار، فعند ذلك يطوي الله السماوات ويبدلها، ويغير الأرض ويبدلها. فتكور الشمس والقمر، ويجمع بينهما فيلقيان في النار، ليرى من عبدهما أنهما غير أهل للعبادة؛ فيتحسر بذلك أشد الحسرة وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين.
وقوله { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ } هذا جمع بين الخلق والأمر، أي: قد استوى الله العظيم على سرير الملك، يدبر الأمور في العالم العلوي والسفلي، فيخلق ويرزق، ويغني ويفقر، ويرفع أقواما ويضع آخرين، ويعز ويذل، ويخفض ويرفع، ويقيل العثرات، ويفرج الكربات، وينفذ الأقدار في أوقاتها التي سبق بها علمه، وجرى بها قلمه، ويرسل ملائكته الكرام لتدبير ما جعلهم على تدبيره.
وينزل الكتب الإلهية على رسله ويبين ما يحتاج إليه العباد من الشرائع والأوامر والنواهي، ويفصلها غاية التفصيل ببيانها وإيضاحها وتمييزها، { لَعَلَّكُمْ } بسبب ما أخرج لكم من الآيات الأفقية والآيات القرآنية، { بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } فإن كثرة الأدلة وبيانها ووضوحها، من أسباب حصول اليقين في جميع الأمور الإلهية، خصوصا في العقائد الكبار، كالبعث والنشور والإخراج من القبور.
وأيضا فقد علم أن الله تعالى حكيم لا يخلق الخلق سدى، ولا يتركهم عبثا، فكما أنه أرسل رسله وأنزل كتبه لأمر العباد ونهيهم، فلا بد أن ينقلهم إلى دار يحل فيها جزاؤه، فيجازي المحسنين بأحسن الجزاء، ويجازي المسيئين بإساءتهم.
تفسير البغوي (Tafsir al-Baghawi)
( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) يعني : السواري ، واحدها عمود ، مثل : أديم وأدم ، وعمد أيضا جمعه ، مثل : رسول ورسل .
ومعناه نفي العمد أصلا وهو الأصح ، يعني : ليس من دونها دعامة تدعمها ولا فوقها علاقة تمسكها .
قال إياس بن معاوية : السماء مقببة على الأرض مثل القبة
وقيل : ” ترونها “ راجعة إلى العمد ، [ معناه ] لها عمد ولكن لا ترونها
وزعم : أن عمدها جبل قاف ، وهو محيط بالدنيا ، والسماء عليه مثل القبة .
( ثم استوى على العرش ) علا [ عليه ] ( وسخر الشمس والقمر ) ذللهما لمنافع خلقه فهما مقهوران ( كل يجري ) أي : يجريان على ما يريد الله عز وجل ( لأجل مسمى ) أي : إلى وقت معلوم وهو فناء الدنيا . [ وقال ابن عباس ] : أراد بالأجل المسمى درجاتهما ومنازلهما ينتهيان إليها لا يجاوزانها ( يدبر الأمر ) يقضيه وحده ( يفصل الآيات ) يبين الدلالات ( لعلكم بلقاء ربكم توقنون ) لكي توقنوا بوعده وتصدقوه .
ومعناه نفي العمد أصلا وهو الأصح ، يعني : ليس من دونها دعامة تدعمها ولا فوقها علاقة تمسكها .
قال إياس بن معاوية : السماء مقببة على الأرض مثل القبة
وقيل : ” ترونها “ راجعة إلى العمد ، [ معناه ] لها عمد ولكن لا ترونها
وزعم : أن عمدها جبل قاف ، وهو محيط بالدنيا ، والسماء عليه مثل القبة .
( ثم استوى على العرش ) علا [ عليه ] ( وسخر الشمس والقمر ) ذللهما لمنافع خلقه فهما مقهوران ( كل يجري ) أي : يجريان على ما يريد الله عز وجل ( لأجل مسمى ) أي : إلى وقت معلوم وهو فناء الدنيا . [ وقال ابن عباس ] : أراد بالأجل المسمى درجاتهما ومنازلهما ينتهيان إليها لا يجاوزانها ( يدبر الأمر ) يقضيه وحده ( يفصل الآيات ) يبين الدلالات ( لعلكم بلقاء ربكم توقنون ) لكي توقنوا بوعده وتصدقوه .
تفسير القرطبي (Tafsir al-Qurtubi)
قوله تعالى : الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون
قوله تعالى : الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها الآية . لما بين تعالى أن القرآن حق ، بين أن من أنزله قادر على الكمال ; فانظروا في مصنوعاته لتعرفوا كمال قدرته ; وقد تقدم هذا المعنى . وفي قوله : بغير عمد ترونها قولان : أحدهما : أنها مرفوعة بغير عمد ترونها ; قاله قتادة وإياس بن معاوية وغيرهما . الثاني : لها عمد ، ولكنا لا نراه ; قال ابن عباس : لها عمد على جبل قاف ; ويمكن أن يقال على هذا القول : العمد قدرته التي يمسك بها السماوات والأرض ، وهي غير مرئية لنا ; ذكره الزجاج . وقال ابن عباس أيضا : هي توحيد المؤمن . أعمدت السماء حين كادت تنفطر من كفر الكافر ; ذكره الغزنوي . والعمد جمع عمود ; قال النابغة :
وخيس الجن إني قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد
ثم استوى على العرش تقدم الكلام فيه وسخر الشمس والقمر أي ذللهما لمنافع خلقه ومصالح عباده ; وكل مخلوق مذلل للخالق .
كل يجري لأجل مسمى أي إلى وقت معلوم ; وهو فناء الدنيا ، وقيام الساعة التي عندها تكور الشمس ، ويخسف القمر ، وتنكدر النجوم ، وتنتثر الكواكب . وقال ابن عباس : أراد بالأجل المسمى درجاتهما ومنازلهما التي ينتهيان إليها لا يجاوزانها . وقيل : معنى الأجل المسمى أن القمر يقطع فلكه في شهر ، والشمس في سنة .
يدبر الأمر أي يصرفه على ما يريد .
يفصل الآيات أي يبينها أي من قدر على هذه الأشياء يقدر على الإعادة ; ولهذا قال : لعلكم بلقاء ربكم توقنون
قوله تعالى : الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها الآية . لما بين تعالى أن القرآن حق ، بين أن من أنزله قادر على الكمال ; فانظروا في مصنوعاته لتعرفوا كمال قدرته ; وقد تقدم هذا المعنى . وفي قوله : بغير عمد ترونها قولان : أحدهما : أنها مرفوعة بغير عمد ترونها ; قاله قتادة وإياس بن معاوية وغيرهما . الثاني : لها عمد ، ولكنا لا نراه ; قال ابن عباس : لها عمد على جبل قاف ; ويمكن أن يقال على هذا القول : العمد قدرته التي يمسك بها السماوات والأرض ، وهي غير مرئية لنا ; ذكره الزجاج . وقال ابن عباس أيضا : هي توحيد المؤمن . أعمدت السماء حين كادت تنفطر من كفر الكافر ; ذكره الغزنوي . والعمد جمع عمود ; قال النابغة :
وخيس الجن إني قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد
ثم استوى على العرش تقدم الكلام فيه وسخر الشمس والقمر أي ذللهما لمنافع خلقه ومصالح عباده ; وكل مخلوق مذلل للخالق .
كل يجري لأجل مسمى أي إلى وقت معلوم ; وهو فناء الدنيا ، وقيام الساعة التي عندها تكور الشمس ، ويخسف القمر ، وتنكدر النجوم ، وتنتثر الكواكب . وقال ابن عباس : أراد بالأجل المسمى درجاتهما ومنازلهما التي ينتهيان إليها لا يجاوزانها . وقيل : معنى الأجل المسمى أن القمر يقطع فلكه في شهر ، والشمس في سنة .
يدبر الأمر أي يصرفه على ما يريد .
يفصل الآيات أي يبينها أي من قدر على هذه الأشياء يقدر على الإعادة ; ولهذا قال : لعلكم بلقاء ربكم توقنون
اشترك في موقعنا الجيل القرآني
أرسل الينا البريد الالكتروني من أجل تلقي آخر محتوانا و التواصل بشكل مباشر و فوري مستهدين بالقرآن الكريم.
خصوصيتك مهمة بالنسبة لنا