قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ

تفسير الآية رقم

37

من سورة

يوسف

(Makkiyah)

تفسير ابن كثير (Tafsir Ibn Kathir)
يخبرهما يوسف – عليه السلام – أنهما مهما رأيا في نومهما من حلم ، فإنه عارف بتفسيره ويخبرهما بتأويله قبل وقوعه; ولهذا قال : ( لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما )
قال مجاهد : يقول : ( لا يأتيكما طعام ترزقانه ) [ في نومكما ] ( إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ) وكذا قال السدي .
وقال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا محمد بن يزيد – شيخ له – حدثنا رشدين ، عن الحسن بن ثوبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ما أدري لعل يوسف ، عليه السلام ، كان يعتاف وهو كذلك ، لأني أجد في كتاب الله حين قال للرجلين : ( لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله ) قال : إذا جاء الطعام حلوا أو مرا اعتاف عند ذلك . ثم قال ابن عباس : إنما علم فعلم . وهذا أثر غريب .
ثم قال : وهذا إنما هو من تعليم الله إياي; لأني اجتنبت ملة الكافرين بالله واليوم الآخر ، فلا يرجون ثوابا ولا عقابا في المعاد.
تفسير الطبري (Tafsir al-Tabari)
القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قال) يوسف للفتيين اللذين استعبراه الرؤيا: (لا يأتيكما) ، أيها الفتيان في منامكما ، (طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله) ، في يقظتكما ، (قبل أن يأتيكما).
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك:
19284 – حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي , قال: قال يوسف لهما: (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، في النوم ، (إلا نبأتكما بتأويله) ، في اليقظة.
19285 – حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: قال يوسف لهما: (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، يقول: في نومكما ، (إلا نبأتكما بتأويله).
* * *
ويعنى بقوله (بتأويله) : ما يؤول إليه ويصير ما رأيا في منامهما من الطعام الذي رأيا أنه أتاهما فيه.
* * *
وقوله: (ذلكما مما علمني ربي) ، يقول: هذا الذي أذكر أني أعلمه من تعبير الرؤيا، مما علمني ربى فعلمته ، (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله) ، وجاء الخبر مبتدأ، أي: تركت ملة قوم , والمعنى: ما ملت، وإنما ابتدأ بذلك، لأن في الابتداء الدليل على معناه.
* * *
وقوله: (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله) ، يقول: إني برئت من ملة من لا يصدق بالله , ويقرّ بوحدانيته (45) ، (وهم بالآخرة هم كافرون) ، يقول: وهم مع تركهم الإيمان بوحدانية الله ، لا يقرّون بالمعاد والبعث، ولا بثواب ولا عقاب.
* * *
، وكُررت ” هم “ مرتين , فقيل: (وهم بالآخرة هم كافرون) ، لما دخل بينهما قوله: (بالآخرة) ، فصارت ” هم “ الأولى كالملغاة , وصار الاعتماد على الثانية , كما قيل: وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [سورة النمل: 3/ سورة لقمان: 4 ]، وكما قيل: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ [سورة المؤمنون: 35]
* * *
فإن قال قائل: ما وجه هذا الخبر ومعناه من يوسف؟ وأين جوابه الفتيين عما سألاه من تعبير رؤياهما، من هذا الكلام؟
قيل له: إن يوسف كره أن يجيبهما عن تأويل رؤياهما، لما علم من مكروه ذلك على أحدهما , فأعرض عن ذكره، وأخذ في غيره، ليعرضا عن مسألته الجوابَ عما سألاه من ذلك.
* * *
وبنحو ذلك قال أهل العلم.
* ذكر من قال ذلك:
19286 – حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , في قوله: إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ، قال: فكره العبارة لهما , وأخبرهما بشيء لم يسألاه عنه ليريهما أن عنده علمًا . وكان الملك إذا أراد قتل إنسان , صنع له طعامًا معلومًا , فأرسل به إليه , فقال يوسف: (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، إلى قوله: يَشْكُرُونَ ، فلم يدَعَاه , فعدل بهما , وكره العبارة لهما. فلم يدعاه حتى يعبر لهما , فعدل بهما وقال: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ، إلى قوله: يَعْلَمُونَ ، فلم يدعاه حتى عبر لهما , فقال: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ . قالا ما رأينا شيئًا , إنما كنا نلعب ! قال: قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ .
* * *
قال أبو جعفر: وعلى هذا التأويل الذي تأوله ابن جريج، فقوله: (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، في اليقظة لا في النوم، . وإنما أعلمهما على هذا القول أنَّ عنده علم ما يؤول إليه أمر الطعام الذي يأتيهما من عند الملك ومن عند غيره , لأنه قد علم النوعَ الذي إذا أتاهما كان علامةً لقتل من أتاه ذلك منهما , والنوع الذي إذا أتاه كان علامة لغير ذلك , فأخبرهما أنه عنده علم ذلك .
———————-
الهوامش:
(45) انظر تفسير” الملة” فيما سلف 12 : 561 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .
تفسير السعدي (Tafsir al-Sa'di)
فـ { قَالَ } لهما مجيبا لطلبتهما: { لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا } أي: فلتطمئن قلوبكما، فإني سأبادر إلى تعبير رؤياكما، فلا يأتيكما غداؤكما، أو عشاؤكما، أول ما يجيء إليكما، إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما.
ولعل يوسف عليه الصلاة والسلام قصد أن يدعوهما إلى الإيمان في هذه الحال التي بدت حاجتهما إليه، ليكون أنجع لدعوته، وأقبل لهما.
ثم قال: { ذَلِكُمَا } التعبير الذي سأعبره لكما { مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي } أي: هذا من علم الله علمنيه وأحسن إليَّ به، وذلك { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } والترك كما يكون للداخل في شيء ثم ينتقل عنه، يكون لمن لم يدخل فيه أصلًا.
فلا يقال: إن يوسف كان من قبل، على غير ملة إبراهيم.
تفسير البغوي (Tafsir al-Baghawi)
( قال لا يأتيكما طعام ترزقانه ) قيل : أراد به في النوم يقول : لا يأتيكما طعام ترزقانه في نومكما ( إلا نبأتكما بتأويله ) في اليقظة .
وقيل : أراد به في اليقظة ، يقول : لا يأتيكما طعام من منازلكما ترزقانه : تطعمانه وتأكلانه إلا نبأتكما بتأويله بقدره ولونه والوقت الذي يصل فيه إليكما .
( قبل أن يأتيكما ) قبل أن يصل إليكما ، وأي طعام أكلتم ، وكم أكلتم ، ومتى أكلتم ، فهذا مثل معجزة عيسى عليه السلام حيث قال : ( وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ) ( آل عمران – 49 ) فقالا هذا فعل العرافين والكهنة ، فمن أين لك هذا العلم ؟ فقال : ما أنا بكاهن وإنما ( ذلكما ) العلم ( مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون ) وتكرار ( هم ) على التأكيد .
تفسير القرطبي (Tafsir al-Qurtubi)
قال لهما يوسف : لا يأتيكما طعام ترزقانه يعني لا يجيئكما غدا طعام من منزلكما
إلا نبأتكما بتأويله لتعلما أني أعلم تأويل رؤياكما ، فقالا : افعل ! فقال لهما : يجيئكما كذا وكذا ، فكان على ما قال .
ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون وكان هذا من علم الغيب خص به يوسف . وبين أن الله خصه بهذا العلم لأنه ترك ملة قوم لا يؤمنون بالله ، يعني دين الملك . ومعنى الكلام عندي : العلم بتأويل رؤياكما ، والعلم بما يأتيكما من طعامكما والعلم بدين الله ، فاسمعوا أولا ما يتعلق بالدين لتهتدوا ، ولهذا لم يعبر لهما حتى دعاهما إلى الإسلام ، فقال : يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون الآية كلها ، على ما يأتي . وقيل : علم أن أحدهما مقتول فدعاهما إلى الإسلام ليسعدا به . وقيل : إن يوسف كره أن يعبر لهما ما سألاه لما علمه من المكروه على أحدهما فأعرض عن سؤالهما ، وأخذ في غيره فقال : لا يأتيكما طعام ترزقانه في النوم إلا نبأتكما بتفسيره في اليقظة ، قاله السدي ، فقالا له : هذا من فعل العرافين والكهنة ، فقال لهما يوسف – عليه السلام – : ما أنا بكاهن ، وإنما ذلك مما علمنيه ربي ، إني لا أخبركما به تكهنا وتنجيما ، بل هو بوحي من الله – عز وجل – . وقال ابن جريج : كان الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاما معروفا فأرسل به إليه ، فالمعنى : لا يأتيكما طعام ترزقانه في اليقظة ، فعلى هذا ترزقانه أي يجري عليكما من جهة الملك أو غيره . ويحتمل يرزقكما الله . قال الحسن : كان يخبرهما بما غاب ، كعيسى – عليه السلام – . وقيل : إنما دعاهما بذلك إلى الإسلام ; وجعل المعجزة التي يستدلان بها إخبارهما بالغيوب .

اشترك في موقعنا الجيل القرآني

أرسل الينا البريد الالكتروني من أجل تلقي آخر محتوانا و التواصل بشكل مباشر و فوري مستهدين بالقرآن الكريم.

خصوصيتك مهمة بالنسبة لنا
تواصل معنا على :
شارك المحتوى :